قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً بِقَدَرٍ } الآية ، لما استدل أولاً على كمال القدرة بخلق الإنسان ، ثم استدل ثانياً بخلق السموات ، استدّل ثالثاً بنزول الأمطار ، وكيفية تأثيرها في النبات . واعلم أنّ الماء في نفسه نعمة ، وهو مع ذلك سبب لحصول{[32412]} النعم ، فلا جَرم ذكره الله أولاً ثم ذكر ما يحصل به من النعم ثانياً{[32413]} .
قال أكثر المفسرين{[32414]} : إنه تعالى يُنزل الماء في الحقيقة من السماء لظاهر الآية ، ولقوله : { وَفِي السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }{[32415]} [ الذاريات : 22 ] . وقال بعضهم : المراد بالسماء السحاب ، وسماه سماء لعلوه ، والمعنى : أنّ الله صعد الأجزاء المائية من قعر الأرض ، ومن البحار إلى السماء حتى صارت عذبة صافية بسبب ذلك التصعيد ، ثم إن تلك الذرّات تأتلف وتتكون ثم ينزله الله على قدر الحاجة إليه ، ولولا ذلك لم ينتفع بتلك المياه لتفرقها في{[32416]} قعر الأرض ، ولا بماء البحر لملوحته ، ولأنه لا حيلة في إجراء مياه البحار على وجه الأرض ، لأنّ البحار هي الغاية في العمق ، وهذه الوجوه التي{[32417]} يتحملها من ينكر الفاعل المختار ، فأمّا من أَقرَّ به فلا حاجة به إلى شيء منها{[32418]} .
وقوله : «بِقَدَرٍ » قال مقاتل : بقدر ما يكفيهم للمعيشة{[32419]} من الزرع والغرس والشرب ، ويَسْلَمُون معه من المضرة .
وقوله : { فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض } قيل : جعلناه ثابتاً في الأرض ، قال ابن عباس : أنزل الله تعالى من الجنة خمسة أنهار سَيْحُونَ{[32420]} وجَيْحُونَ{[32421]} ودجلة والفرات{[32422]} والنيل{[32423]} أنزلها من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل - عليه السلام{[32424]} - ، ثم استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس ، فذلك قوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً بِقَدَرٍ{[32425]} فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض } ، ثم يرفعها عند خروج{[32426]} يأجوج ومأجوج ، ويرفع أيضاً القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه ، فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله : { وَإِنَّا على ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ } ، فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فَقَدَ أَهْلُها خير الدنيا والدين{[32427]} . وقيل : معنى : { فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض } : ما تبقّى في الغدران والمستنقعات ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر .
وقيل : فأسكناهُ في الأرض ثم أخرجنا منها ينابيع ، فماء الأرض كله من السماء .
قوله : { وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } «عَلَى ذَهَابٍ » متعلق ب «لقَادِرُونَ »{[32428]} واللام كما تقدم{[32429]} غير مانعة من ذلك ، و «بِهِ » متعلق ب «ذَهَابٍ »{[32430]} ، وهي مرادفة للهمزة{[32431]} كهي في «لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ »{[32432]} أي : على إذهابه{[32433]} والمعنى : كما قَدَرْنا على إنزاله كذلك{[32434]} نَقْدِر على رفعه وإزالته فتهلكوا عطشاً ، وتهلك مواشيكم وتخرب أرضكم{[32435]} .
قال الزمخشري : قوله : { على ذَهَابٍ بِهِ } من أوقع{[32436]} النكرات وأحزها للمفصل{[32437]} ، والمعنى : على وجه من وجوه الذهاب به ، وطريق من طرقه ، وفيه إيذان{[32438]} بكمال{[32439]} اقتدار المذهب وأنه{[32440]} لا يتعايا عليه شيء ، وهو أبلغ في{[32441]} الإيعاد من قوله :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ }{[32442]} {[32443]} [ الملك : 30 ]
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.