اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَرۡسَلۡنَا فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (32)

قوله : «فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ » قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : حق «أَرْسَلَ » أن يتعدى ب «إلى » كأخواته التي هي : وَجَّهَ ، وأَنْفَذَ وبَعَثَ ، فما له عدي في القرآن ب ( إلى{[32638]} ) تارة وب ( في ) أخرى كقوله : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ }{[32639]} [ الرعد : 30 ] { " وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ " }{[32640]} {[32641]} [ سبأ : 34 ] . قُلْتُ : لم يعد ب ( في ) كما عُدّي ب ( إلى ) ، ولم يجعل صلة مثله ، ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعاً للإرسال ، كقول رؤبة {[32642]} :

أرسلت فيها مصعباً ذا أقحام{[32643]} *** . . .

وقد{[32644]} جاء ( بَعَثَ ) على ذلك ، كقوله تعالى { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً }{[32645]} {[32646]} [ الفرقان : 51 ] .

قوله : { أَنِ اعبدوا الله } يجوز أن تكون المصدرية{[32647]} أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله . أي : بقوله اعبدوا ، وأن تكون مفسرة{[32648]} . «أَفَلاَ تَتَّقُونَ » قال بعضهم : هذا الكلام غير موصول بالأول ، وإنما قاله لهم بعد أن كذبوه ، وردّوا عليه بعد إقامة الحجة عليهم فعند ذلك خوفهم بقوله : «أَفَلاَ تَتَّقُون » هذه الطريقة مخالفة العذاب الذي أنذركم به . ويجوز أن يكون موصولاً بالكلام الأول بأن رآهم معرضين عن عبادة الله مشتغلين بعبادة الأوثان ، فدعاهم إلى عبادة الله ، وحذّرهم من العقاب بسبب إقبالهم{[32649]} على عبادة الأوثان {[32650]} .


[32638]:بإلى: سقط من ب.
[32639]:[الرعد: 30].
[32640]:من قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنما بما أرسلتم به كافرون} [سبأ: 34].
[32641]:ما بين القوسين تكملة من الكشاف.
[32642]:تقدم.
[32643]:رجز نسبة الزمخشري إلى رؤبة، ولم أجده في ديوانه، وهو في شرح شواهد الكشاف لعطاء السندي، وبعده: طبا فقيها بذوات الأبلام. وهو في البحر المحيط 6/403، وشرح شواهد الكشاف 119 وفي النسختين: (ذا لحام) مكان (ذا إقحام) يقال: أصعب الجمل فهو مصعب إذا صار صعبا لا يركب. الإقحام: الدخول في الشيء بلا مهلة ولا روية. فالمعنى: أرسلت في تلك القضية رجلا كالجمل الشديد ذا إقدام على الأمر بجراءة.
[32644]:في ب: وبعد. وهو تحريف.
[32645]:[الفرقان: 51].
[32646]:الكشاف 3/47.
[32647]:انظر البحر المحيط 6/403.
[32648]:انظر الكشاف 3/47، البحر المحيط 6/403.
[32649]:إقبالهم: سقط من ب.
[32650]:انظر الفخر الرازي 23/98.