اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا ٱسۡتَوَيۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (28)

قوله : { فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك } اعتدلت أنت ومن معك على الفلك ، قال ابن عباس : كان في السفينة ثمانون إنساناً ، نوح وامرأته سِوَى التي غرقت ، وثلاثة{[32592]} بنين ، سام ، وحام ، ويافث ، وثلاثة نسوة لهم ، واثنان وسبعون إنساناً ، فكل الخلائق نسل{[32593]} من كان في السفينة{[32594]} .

روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «وُلِد لنوح ثلاثة أولاد سَام ، وحَام ، ويَافِث ، فأمّا سام فأبو العرب وفارس والروم ، وأما يافث فأبو يأجوج ومأجوج والبربر ، وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء{[32595]} ويأجوج ومأجوج بنو عم الترك{[32596]} » .

قال ابن الجوزي{[32597]} : وُلِد لحام كوش ، ونبرش ، وموغع ، وبوان ، ووُلِد لكوش نمرود ، وهو أول النماردة ، مَلِك بعد الطوفان ثلاثمائة سنة ، وعلى عهده{[32598]} قسّمت الأرض ، وتفرَّق الناس واختلفت الألسن ، ونمرود إبراهيم الخليل ، ومن وَلد نبرش الحرير ، ومن وَلد مُوغع يأجوج ومأجوج ، ومن وَلد بوان الصقالبة ، والنوبة ، والحبشة ، والهند ، والسند .

ولما اقتسم أولاد نوح الأرض ، نزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور ، فجعل الله فيهم الأدمة ، وبياضاً قليلاً ، ولهم أكثر الأرض ، وروي أن فالغ أبو{[32599]} غابر قسم الأرض بين أولاد نوح بعد موت نوح ، فنزل سام{[32600]} سرة الأرض فكانت فيهم الأدمة والبياض ، ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا فكانت فيهم الحمرة والشقرة ، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور فتغيرت ألوانهم .

روى ابن شهاب قال : قيل لعيسى ابن مريم - عليه السلام{[32601]} - أَحْيِ حام بن نوح - فقال : أروني قبره . فأروه ، فقام ، فقال : يا حام بن نوح احْيَ بإذن الله - عزّ وجلّ - فَلَمْ يَخْرُج ، ثم قالها الثانية{[32602]} ، فخرج ، وإذا{[32603]} شِقّ رأسه ولحيته أبيض ، فقال : ما هذا ، قال : سمعتُ الدعاء الأول فظننتُ أنه من الله - تعالى - فشاب له شقي ، ثم سمعت الدعاء الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجتُ ، قال : مذ كم مِتَّ ؟ قال : منذ أربعة آلاف سنة ، ما ذهبت عنّي سكرة الموت حتى الآن . وروي أن الذي أحياه عيسى ابن مريم سام بن نوح ، والله أعلم . وروي عن النمر بن هلال قال : الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ فاثنا عشر ألف للسودان ، وثمانية للروم ، وثلاثة للفرس وألف للعرب قال{[32604]} مجاهد : ربع من لا يلبس الثياب من السودان مثل جميع الناس .

قوله : { فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين } الكافرين ، وإنما قال : «فَقُل » ولم يقل : فقولوا ، لأنّ نوحاً كان نبياً لهم وإمامهم ، فكان قولاً لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية ، وأن رتبة ذلك المخاطب لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي {[32605]} .

قال قتادة : علمكم الله أن تقولوا عند ركوب السفينة : { بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا }{[32606]} [ هود : 41 ] ، وعند ركوب الدابة : { سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا{[32607]} } [ الزخرف : 13 ] ، وعند النزول : { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً }{[32608]} {[32609]} . قال الأنصاري : وقال لنبينا : { وَقُل ربِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }{[32610]} [ الإسراء : 80 ] ، وقال : { فَإِذَا{[32611]} قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله }{[32612]} [ النحل : 98 ] فكأنه - تعالى - أمرهم أن لا يغفلوا عن ذكره في جميع أحوالهم {[32613]} .


[32592]:في النسختين: ثلاث.
[32593]:في ب: نسلي. وهو تحريف.
[32594]:انظر الفخر الرازي 23/95.
[32595]:السوداء: سقط من ب.
[32596]:انظر تاريخ الطبري 1/210، والبداية والنهاية لابن كثير 1/132- 133.
[32597]:تقدم.
[32598]:في الأصل: هذه. ثم صوب بالهامش.
[32599]:في الأصل: ابن.
[32600]:في الأصل: بنو سام.
[32601]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32602]:في ب: ثانيا.
[32603]:في ب: فإذا.
[32604]:في ب: وقال.
[32605]:انظر الكشاف 3/47، الفخر الرازي 23/96.
[32606]:من قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود: 41].
[32607]:من قوله تعالى: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13].
[32608]:[المؤمنون: 29].
[32609]:انظر الفخر الرازي 23/96.
[32610]:[الإسراء: 80].
[32611]:في ب: وإذا. وهو تحريف.
[32612]:من قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98].
[32613]:انظر الفخر الرازي 23/96.