قوله : «لا تُلْهِيهِمْ » في محل رفع صفة ل{[34940]} «رِجَالٌ » . ( و ) {[34941]} خص الرجال بالذكر في هذه المساجد ، لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد{[34942]} . «لاَ{[34943]} تُلْهِيهِمْ » : تشغلهم ، «تِجَارَةٌ » قيل : خص التجارة بالذكر ، لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات .
قال الحسن : أما والله إنهم كانوا يتجرون ، ولكن إذا جاءتهم فرائض الله لم يلههم عنها شيء ، فقاموا بالصلاة والزكاة{[34944]} . فإن قيل : البيع داخل في التجارة ، فلم أعاد البيع ؟ فالجواب من وجوه{[34945]} :
الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع ، وإنما خص البيع بالذكر لأن الالتهاء به أعظم ، لكون{[34946]} الربح الحاصل من البيع معين ناجز ، والربح الحاصل من الشراء مشكوك مستقبل .
الثاني : أن البيع تبديل العرض بالنقدين{[34947]} ، والشراء بالعكس ، والرغبة في تبديل النقد أكثر من العكس .
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجَلْب ، يقال : تجر فلان في كذا : إذا جلب من غير بلده ، والبيع ما باعه على يديه{[34948]} .
الرابع : أراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً ، لأنه ذكر البيع بعده كقوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً }{[34949]} [ الجمعة : 11 ] يعني : الشراء{[34950]} .
قوله : { عَن ذِكْرِ الله } عن حضور المساجد لإقامة الصلاة . فإن قيل : فما معنى قوله : «وَإقَامِ الصَّلاَةِ ؟ » فالجواب قال ابن عباس : المراد بإقامة الصلاة : إقامتها لمواقيتها ، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة .
ويجوز أن يكون قوله : «الصَّلاَة » تفسيراً لذكر الله ، فهم يذكرون قبل الصلاة{[34951]} .
قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء ، لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة ، وكان الأصل : إقواماً ، ولكن قُلِبَت الواو ألفاً ، فاجتمعت ألفان ، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي : أقَمْتُ الصلاة إقاماً ، فأدخلت الهاء عوضاً عن المحذوف ، وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة وهذا إجماع من النحويين{[34952]} .
المراد : الصلوات المفروضة لما روى سالم{[34953]} ( عن ) {[34954]} ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم ، فدخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت هذه الآية : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة »{[34955]} .
وقوله : «وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ » يريد : المفروضة . قال ابن عباس : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها{[34956]} . وروي عن ابن عباس أيضاً : المراد من الزكاة : طاعة الله والإخلاص . وهذا ضعيف لأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء{[34957]} ، وهذا لا يحتمل إلا ما يعطى من حقوق المال{[34958]} . قوله : «يخَافُونَ يَوْماً » يجوز أن يكون نعتاً ثانياً ل «رِجَالٌ » ، وأن يكون حالاً من مفعول «تُلْهِيهِمْ »{[34959]} و «يَوْماً » مفعول به لا ظرف على الأظهر{[34960]} ، و «تَتَقَلَّبُ » صفة ل «يَوْماً » .
قوله : { تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار } : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح الأبصار من الأغطية بعد أن كانت مطبوعة عليها لا تبصر ، وكلهم انقلبوا من الشك إلى اليقين ، كقوله : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ }{[34961]} [ الزمر : 47 ] وقوله : { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ }{[34962]} [ ق : 22 ] . وقيل : تتقلب القلوب تطمع في النجاة وتخشى الهلاك ، وتتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ أمن{[34963]} ناحية اليمين أم{[34964]} من ناحية الشمال ؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم ، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال ؟
والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل ، لأنهم قالوا : إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة ، وأهل العقاب لا يرجون العفو . وقيل : إن القلوب تزول من أماكنها فتبلغ الحناجر ، والأبصار تصير زرقاً{[34965]} . وقيل : تقلب البصر : شخوصه من هول الأمر وشدته{[34966]} .
( وقال الجبائي : تقلب القلوب والأبصار ){[34967]} : تغير هيئاتها بسبب ما ينالها من العذاب . قال : ويجوز أن يريد به تقليبها على جمر{[34968]} جهنم كقوله : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ{[34969]} }{[34970]} [ الأنعام : 110 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.