اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} (206)

وقد تنازع «أَفَرَأَيْتَ »و «جَاءَهُمْ » في قوله : { مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } فإن أعملت الثاني وهو «جَاءَهُمْ » رفعت به «مَا كَانُوا » فاعلاً به ، ومفعول «أَرَأَيْتَ »{[37980]} الأول ضميره ، ولكنه حذف ، والمفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية في قوله{[37981]} : { مَا أغنى عَنْهُمْ } ، ولا بدَّ من رابط بين هذه الجملة وبين المفعول الأول المحذوف ، وهو مقدر تقديره : أفرأيت ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم تمتُّعهم حين حلَّ ، أي : الموعود به ، ودلَّ على ذلك قوة الكلام .

وإن أعملت الأول نصبت به { مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } وأضمرت في «جَاءَهُمْ » ضميره فاعلاً به ، والجملة الاستفهامية مفعول ثانٍ أيضاً ، والعائد مقدر على ما تقرر{[37982]} في الوجه قبله{[37983]} ، والشرط معترض ، وجوابه محذوف ، وهذا كله مفهوم مما تقدم في سورة الأنعام{[37984]} وإنما ذكرناه هنا لأنه تقديرٌ ( عَسِرٌ يحتاج ){[37985]} إلى تأمل . وهذا كله إنما يتأتى على قولنا : «مَا »{[37986]} استفهامية ، ولا يضير تفسيرهم لها بالنفي{[37987]} ، فإن الاستفهام قد يرد بمعنى النفي . وأما إذا جعلتها نافية حرفاً ، كما قاله أبو البقاء{[37988]} فلا يتأتي ذلك ، لأنَّ مفعول «أَرَأَيْتَ » الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية كما تقرر{[37989]} . قوله : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } كثيرة في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ولم نهلكهم { ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } يعني : العذاب


[37980]:في ب: أفرأيت.
[37981]:في ب: قولك. وهو تحريف.
[37982]:في الأصل: ما تقدر.
[37983]:انظر البحر المحيط 7/43.
[37984]:عند قوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم السَّاعة} من الآية (40). انظر اللباب 3/413. وذكر هناك في توجيه الإعراب مثلما ذكر هنا.
[37985]:ما بين القوسين في ب: غير محتاج. وهو تحريف.
[37986]:في ب" إن ما.
[37987]:في ب: بأن النافية.
[37988]:فإنه قال: (قوله تعالى: {ما أغنى عنهم} يجوز أن يكون استفهاماً فتكون (ما) في موضع نصب، وأن يكون نفياً، أي: ما أغنى عنهم شيئاً) التبيان 2/1002.
[37989]:قال سيبويه: (وتقول: أرأيتك زيداً أبو من هو، وأرأيتك عمراً عندك هو أم عند فلان، لا يحسن فيه إلا النصب في زيد، ألا ترى أنك لو قلت: أريت أبو من أنت، أو أرأيت أزيد ثم أم فلان، لم يحسن، لأن فيه معنى أخبرني عن زيد، وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول، فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة (أخبرني) في الاستغناء، فعلى هذا أجري وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني) الكتاب 1/239-240. وقال أبو حيان: ( وتقرر في علم العربية أن أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني تعدت إلى مفعولين أحدهما منصوب والآخر جملة استفهامية في الغالب، تقول العرب: أرأيت زيداً ما صنع وما جاء مما ظاهره خلاف ذلك أُوّل) البحر المحيط 7/43، وانظر الهمع 1/155.