قوله : { على قَلْبِكَ لِتَكُونَ } . قال أبو حيان : الظاهر تعلُّق «عَلَى قَلْبِكَ » و «لِتَكُونَ » ب «نَزَل »{[37866]} . ولم يذكر ما يقابل هذا الظاهر . وأكثر ما يتخيَّل أنه يجوز أن يتعلقا ب «تنزيل » أي : وإنه لتنزيل ربِّ العالمين على قلبك لتكون ، ولكن فيه ضعفٌ من حيث الفصل بين المصدر ومعموله بجملة : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ » .
أحدهما : أنَّ هذه الجملة اعتراضية ، وفيها تأكيد وتشديد ، فليست بأجنبية .
والثاني : الاغتفار في الظرف وعديله . وعلى هذا فلا يبعد أن يجيء في المسألة باب{[37867]} الإعمال{[37868]} ، فإن كلاًّ من «تَنْزِيل » و «نَزَل » يطلب هذين الجارين .
لما ذكر قصص الأنبياء لمحمد - عليه السلام{[37869]} - أتبعه بما يدل على نبوته فقال : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين } لأنه{[37870]} لفصاحته معجز فيكون من رب العالمين . وأيضاً فلأنه إخبار عن الأمم الماضية من غير تعلم ألبتة ، وذلك إلاَّ بوحي من الله تعالى . وأيضاً فقوله : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين } مؤكد لما ذكرنا ، لأن ذكر هذه القصص على ما هي في زبر الأولين من غير تفاوت أصلاً مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستفادة دليل على أنه ليس إلا من عند الله{[37871]} ، { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين }{[37872]} عَلَى قَلْبِكَ يا محمد ، أي{[37873]} : فهمك إياه وأثبته في قلبك كي لا تنساه كقوله : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى } [ الأعلى : 6 ] { لِتَكُونَ مِنَ المنذرين } : المخوِّفين . وسمي جبريل روحاً ، لأنه خلق من الروح . وقيل : لأنه نجاة الخلق في باب الدين ، فهو كالروح التي تستتبع الحياة . وقيل : لأنه روح كله ، لا كالناس في أبدانهم روح{[37874]} . وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه للأنبياء - ( عليهم السلام{[37875]} ){[37876]} - .
روي أنَّ جبريل - عليه السلام- نزل على آدم - عليه السلام{[37877]} - اثنتا عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مرات ، وعلى نوح خمسين مرة ، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة ، وعلى موسى أربعمائة مرة ، وعلى عيسى عشر مرات وعلى محمد - عليه السلام - أربع عشرة ألف مرة .
فإن قيل : لم قال : «عَلَى قَلْبِكَ » وهو إنما أنزل عليه ؟ .
فالجواب : ليؤكد أنّ ذلك المنزل محفوظ للرسول{[37878]} متمكن من قبله لا يجوز عليه التغيير ، ولأنَّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار ، وأما سائر الأعضاء فمسخّرة له ، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول ، أما القرآن فقوله تعالى : { نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ } [ البقرة : 97 ] ، { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ } ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } [ ق : 37 ] واستحقاق الجزاء ليس إلاَّ على ما في القلب ، قال تعالى{[37879]} : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [ البقرة : 225 ] { لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] والتقوى في القلب لقوله تعالى : { أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى } [ الحجرات : 3 ] وقوله : { وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور } [ العاديات : 10 ] . وحكى عن أهل النار قولهم : { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير } [ الملك : 10 ] والعقل في القلب ، والسمع منفذٌ إليه ، وقال : { إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] والسمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب ، وقال : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور } [ غافر : 19 ] ولم تخن الأعين إلا بما تضمر القلوب إلى غير ذلك من الآيات .
وأما الحديث فقوله - عليه السلام{[37880]} - : «أَلاَ وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فسد الجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ »{[37881]} .
وأما المعقول فإنَّ القلب إذا غشي عليه ، فإذا قطع سائر الأعضاء لم يحصل به الشعور ، وإذا أفاق{[37882]} القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات .
وأيضاً فإذا فرح القلب أو حزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك . وأيضاً فإن القلب منبع المشيئات الباعثة على الأفعال الصادرة عن سائر الأعضاء{[37883]} .
قوله : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين } . أي : وإن القرآن . وقيل : وإن{[37890]} محمداً ونعته { لَفِي زُبُرِ الأولين } أي : كتب الأولين . وقيل : المراد وجوه{[37891]} التخويف ، لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم{[37892]} ، وفيه التفات{[37893]} ، إذ لو جرى على ما تقدم لقيل : «وإنك لفي زبر » . وقرأ الأعمش : «زُبْرِ » بسكون الباء ، وهي مخففة من المشهور{[37894]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.