اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

قوله{[40946]} : { إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن } قال أبو علي{[40947]} : فرض عليك أحكامه وفرائضه «لَرَادُّكَ » بعد الموت «إلَى مَعَادٍ » وتنكير المعاد لتعظيمه ، كأنه قال : مَعَادٍ وأي معاد ، أي ليس لغيرك من البشر مثله ، وقيل : المراد به مكة وترداده إليها يوم الفتح ، ووجه تنكيره إياها كانت في ذلك اليوم معاداً لها شأن عظيم لاستيلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها ، وقهره لأهلها وإظهار{[40948]} عز الإسلام وإذلال{[40949]} حزب الكفرة ، والسورة مكية ، فكأن الله تعالى وعده وهو بمكة حين أوذي وهو في غلبة من أهلها أنه يهاجر منها ، ويعيده إليها ظاهراً ظافراً ، وقال مقاتل : «إنَّه صلى الله عليه وسلم خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق نزل بالجحفة{[40950]} بين مكة والمدينة ، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه ، فنزل جبريل فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نَعَمْ » فقال جبريل إنَّ الله{[40951]} يقول : { إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ } »{[40952]} يعني مكة ظاهراً عليهم قال المحققون : وهذا حد ما يدل على نبوته ، لأنه أخبر عن الغيب ووقع ما أخبر به فيكون معجزاً{[40953]} .

قوله : { مَن جَاءَ بالهدى } منصوب بمضمر ، أي : يَعْلَمْ{[40954]} أو «أَعْلَم » إن جعلناها بمعنى عالم وأعملناها إعماله{[40955]} ، ووجه تعلقه بما قبله أنَّ الله تعالى لما وعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - الرد إلى معاد قال : قل للمشركين { ربي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بالهدى } يعني نفسه وما يستحقه من الثواب في المعاد والإعزاز بالإعادة إلى مكة { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ } يعنيهم وما يستحقونه من العذاب في معادهم{[40956]} .


[40946]:في ب: قوله تعالى.
[40947]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 25/22.
[40948]:في ب: فإظهار.
[40949]:في ب: إذلال.
[40950]:الجحفة: موضع بين مكة والمدينة. المعجم الوسيط (جحف).
[40951]:في ب: الله تعالى.
[40952]:انظر الدر المنثور 5/139.
[40953]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 25/22.
[40954]:قال ابن الأنباري: ( ووجه التقدير لامتناع الإضافة، ولأن "أعلم" لا يعمل في المفعول لأنه من المعاني، والمعاني لا تنصب المفعول) البيان 2/239، وانظر البحر المحيط 7/136.
[40955]:قال أبو حيان: (ومن أجاز أن يأتي أفعل بمعنى فاعل، وجاز مع ذلك أن ينصب به جاز أن ينتصب به إذ يؤوله بمعنى عالم ويعطيه حكمه) البحر المحيط 7/136.
[40956]:انظر الكشاف 3/181، الفخر الرازي 25/22.