اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } من جعل شيئاً يطلق{[40973]} على الباري تعالى - وهو الصحيح - قال : هذا استثناء متصل ، والمراد بالوجه الذات ، وإنَّما جرى على عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة{[40974]} ، ومن لم يطلق عليه جعله متصلاً أيضاً ، وجعل الوجه ما عمل لأجله أو الجاه الذي بين الناس ، أو يجعله منقطعاً أي : لكن هو تعالى لم يهلك{[40975]} .

فصل :

استدلت المعتزلة على أن الجنة والنار غير مخلوقتين بأنَّ هذه الآية تقتضي فناء الكل ، فلو كانتا مخلوقتين لكان هذا يناقض قوله تعالى في صفة الجنة { أُكُلُهَا دَائِمٌ } [ الرعد : 35 ] ، والجواب : هذا معارض بقوله تعالى ( في صفة الجنة ){[40976]} { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] وفي صفة النار : { وَقُودُهَا الناس والحجارة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 24 ] ثم إما أن يحمل قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } على الأكثر كقوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 24 ] أو يحمل على الفناء القليل كقوله : { أُكُلُهَا دَائِمٌ } [ الرعد : 35 ] على أن فناءها لما كان قليلاً بالنسبة إلى زمان بقائها لا جرم أطلق لفظ الدوام عليها{[40977]} .

قوله : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » أي{[40978]} : في الآخرة ، والعامة على بنائه للمفعول ، وعيسى على بنائه للفاعل{[40979]} .

ختام السورة:

روى الثعالبي في تفسيره عن أُبَيِّ بن كعب قال : «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من قَرَأَ طسم القصص لم يبق في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنَّه كان مصدِّقًا أن كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاَّ وجهه له الحكم وإليه ترجعون »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[40973]:في ب: ينطلق.
[40974]:ويسمى هذا مجازاً مرسلاً علاقته الجزئية حيث أطلق الجزء وأراد الكل.
[40975]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/158، تفسير ابن عطية 11/350، البيان 2/239-240، التبيان 2/1028.
[40976]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[40977]:انظر الفخر الرازي 25/25-26.
[40978]:أي: سقط من الأصل.
[40979]:أي: يرجعون. انظر تفسير ابن عطية 11/351، البحر المحيط 7/137، الإتحاف (344).