اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَاناً } أصناماً ، فلا تستحق العبادة لكونها أصناماً منحوتة لا شرف لها .

قوله : «وَتَخْلُقُونَ إفْكاً » العامة على فتح التاء ، وسكون الخاء ، ورفع اللام مضارع «خلق » و «إفْكاً » بكسر الهمزة وسكون الفاء ، أي وتختلقون كذباً ، أو تنحتون أصناماً ، وعلي بن أبي طالب{[41177]} ، وزيد بن علي{[41178]} والسُّلَيْميّ{[41179]} ، وقتادةُ بفتح الحاء واللام مشددة{[41180]} ، وهو مضارع «تَخَلَّقَ » والأصل : «تَتَخَلقونَ » بتاءين فحذفت إحداهما «كَتَنَزَّلَ » ونحوه ، روي عن «زيد بن علي » أيضاً تُخَلُقون بضم التاء وتشديد اللام مكسورة{[41181]} مضارع «خلّق » مضعفاً ، وقرأ ابن الزبير{[41182]} ، وفُضَيْل بن{[41183]} زَرْقَانِ إفكاً{[41184]} - بفتح الهمزة وكسرها - وهو مصدر كالكذب معنى ووزناً ، وجوز الزمخشري{[41185]} في الإفْكِ - بالكسر والسكون - وجهين :

أحدهما : أن يكون مخففاً من الأََفِِك بالفتح والكسر كالكَذِب واللَّعِب ، وأصلها : ( الكِذْب{[41186]} واللّعْب ) وأن يكون صفة على «فِعْلٍ » أي خلقاً إفْكاً أي «ذَا إفْكٍ » .

قال شهاب الدين : وتقديره{[41187]} مضافاً قبل «إفك » مع جعله له صفة غيرُ مُحْتَاجٍ إليه ( وإنما كان{[41188]} يُحْتَاجُ إليه ) لو جعله مصدراً .

قوله : { إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } لا يقدرون أن يرزقوكم ، وهذا إشارة إلى عدم المنفعة في الحال والمآل . قوله : «رزقاً » يجوز أن يكون منصوباً على المصدر ، وناصبه «لا يملكون » ؛ لأنه في معناه ، وعلى أصول الكوفيين يجوز أن يكون الأصل : لا يملكون أن يَرْزُقُوكُمْ رزقاً ، فإن «يرزقوكم » هو مفعول «يملكون » ، ويجوز أن يكون بمعنى «المرزوق »{[41189]} فينتصب مفعولاً به ، «فابْتَغُوا » فاطلبوا «عند الله الرزق » ( و ) هذا إشارة إلى استحقاق عبوديته{[41190]} لذاته .

فإن قيل : قال : { لا يملكون لكم رزقاً } نكّر الرزق وقال : { فابتغوا عند الله الرِّزْقَ } فعرفه ، فما الفائدة ؟ قال الزمخشري نكره في معرض النفي أي لا رزق عندهم أصلاً ، وعرفه عند الإثبات عند الله تعالى أي كل الرزق عنده فاطلبوه منه{[41191]} . وفيه وجه آخر{[41192]} وهو أن الرزق من الله معروف بقوله : { وَمَا مِن دابَّة فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا }{[41193]} والرزق من الأوثان غير معلوم ، فقال : { لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } لعدم حصول العلم به ، وقال : { فابتغوا عِندَ الله الرزق } أي الموعود به ، ثم قال : { واعبدوه واشكروا لَهُ } اعبدوه لكونه مستحقاً للعبادة لذاته ، فاشكروا له لكونه سائق النعم إلى الخلق «وإليه ترجعون » أي اعبدوه ، لكونه مرجعاً منه يتوقع الخير لا من غيره .


[41177]:تقدم.
[41178]:زيد بن علي بن أحمد أبو القاسم العجلي شيخ العراق، إمام حاذق، وعادل ثقةٌ، قرأ على أحمد بن فرج وغيره وقرأ عليه ابن مهران، مات سنة 358، الغاية 298 و 299/1.
[41179]:السلمي: عبد الله بن حبيب بن ربيعة أبو عبد الرحمن السلمي الضرير، مقرئ الكوفة، إليه انتهت القراءة تجويداً، وضبطاً، أخذ عن عثمان، وعلي، وعنه عاصم، وابن السائب كان كبير القدر، مات سنة 74 هـ، انظر: غاية النهاية 1/413، 414.
[41180]:نقلها في المحتسب 2/60 والشواذ لابن خالويه 115، 114 ومعاني القرآن للفراء 2/315، والبحر المحيط 7/145 وهي من القراءات غير المتواترة، وانظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/165.
[41181]:نقلها أيضاً في معاني الزجاج 4/165 والبحر المحيط 7/145 والدر المصون 4/298.
[41182]:ابن الزبير.
[41183]:هكذا في كل ما توصلت إليه من مراجع "زرقان" وما في المحتسب "فضيل بن مرزوق" والقراءة نفسها منسوبة لهذه التسمية هذه وهو فضيل بن مرزوق الكوفي، روى عن أبي حازم وعدي بن ثابت، وعنه: يحيى بن آدم، وبزيد بن هارون، انظر: هامش المحتسب لابن جني 2/160 والقراءة في المحتسب 2/160.
[41184]:المرجع السابق.
[41185]:الكشاف 3/201.
[41186]:ساقط من ب وهي في الكشاف.
[41187]:الدر المصون 4/299.
[41188]:ساقط من ب وموجودة بالمرجع السابق، انظر: الدر المصون 4/299.
[41189]:في ب: الرزق.
[41190]:في ب: العبودية بالتعريف.
[41191]:قال الزمخشري في الكشاف 3/201: "فإن قلت: لم نكر الرزق ثم عرفه؟ قلت: لأنه أراد لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق فابتغوا عند الله الرزق كله، فإن الله هو الرزاق وحده لا يرزق غيره".
[41192]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/44.
[41193]:هود: 6.