اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ } قرأ الأخوان{[41195]} وأبو بكر{[41196]} بالخطاب{[41197]} ، على خطاب «إبراهيم » لقومه بذلك ، والباقون بالغيبة ، ردّاً على الأمم المكذبة .

قوله : «كَيْفَ يُبْدِىءُ » ، العامة على ضم الياء من «أَبْدَأَ » والزُّبَيْرِيُّ{[41198]} ، وعيسى ، وأبو عمرو بخلاف عنه يَبْدَأُ مضارع بَدَأَ . وقد صرح بماضيه هنا{[41199]} حيث قال : { كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ }{[41200]} ، وقرأ الزهري : «كيف يبدأ » بألف ( صريحة{[41201]} وهو تخفيف على غير قياس ، وقياسه بين بين وهو في الشذوذ كقوله :

4027 - . . . . . . . . . . . . . *** فَارْعَيْ فَزَارَةُ لاَ هَنَاكِ المَرْتَعُ{[41202]}

فصل :

المعنى : أو لم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة ثم علقه ، ثم مضغة .

فإن قيل : متى رأى الإنسان بَدْءَ الخلق ، حتى يقال : { أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق } ؟ .

فالجواب : إن المراد بالرؤية العلم الواضح الذي كالرؤية ، والعاقل يعلم أن البدء من الله لأن الخلق الأول لا يكون من مخلوق ، وإلا لما كان الخلق الأول خلقاً أول ، فهو من الله ، هذا إن قلنا : إن المراد إتيان نفس الخلق وإن قلنا : إن المراد بالمبتدأ خلق الآدمي أولاً ، وبالإعادة خلقه ثانياً ، فنقول : العاقل لا يخفى عليه أن خالق نفسه ليس إلا قادر حكيم يصور الأولاد في الأرحام ، والخلقة من نطفة في غاية الإتقان والإحكام فذاك الذي خلق أولاً معلوم ظاهر ، فأطلق على ذلك العلم لفظ الرؤية ، وقال : { أو لم يروا } أي أو لم يعلموا علماً ظاهراً واضحاً كيف يبدأ الله الخلق وهو من غذاءٍ هو من ماءٍ وتراب يجمعه فكذلك يجمع أجزاءه من التراب وينفخ فيه روحه بل هو أسهل بالنسبة إليكم فإن من نحت حجارة حتى صارت أصناماً ثم كسرها وفرقها فإن وضعه شيئاً بجنب شيء{[41203]} في هذه النوبة أسهل ، لأن الحجارة منحوتة معلومة .

فإن قيل : علق الرؤية بالكيفية{[41204]} لا بالخلق ، ولم يقل : أو لم يروا أن الله خلق أو بدأ الخلق والكيفية غير معلومة .

فالجواب : هذا القدر من الكيفية معلوم وهو أنه خلقه ولم يك شيئاً مذكوراً ، وأنه خلقه من نطفة من غذاء هو من ماء وتراب ، وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة .

فإن{[41205]} قيل : قال : «ثم يعيده » «إن ذلك على الله يسير » أبرز اسمه مرة أخرى ولم يقل : إن ذلك عَلَيْهِ يسير كما قال : «ثم يعيده » من غير إبراز .

فالجواب : أنه مع إقامة البرهان على أنه يسير أكده بإظهار اسمه ، فإنه يوجب المعرفة أيضاً بكَوْنِ ذلك يسيراً فإن الإنسان إذا سمع لفظ «الله » وفهم معناه أنه الحَيُّ القادر بقُدْرَةٍ كاملة لا يعجزه شيء محيط بذرات كل{[41206]} جسم نافذ الإرادة يقطع بجواز الإعادة{[41207]} .


[41195]:الأخوان حمزة، والكسائي، فحمزة هو حمزة بن حبيب بن إسماعيل الإمام الحبر أبو عمارة الكوفي الزيات، أخذ القراءة عن سليمان الأعمش وأبي إسحاق السبيعي، مات سنة 156هـ وقيل غير ذلك انظر: طبقات القراء 1/261: 263. والكسائي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي أبو الحسن الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء في الكوفة بعد حمزة الزيات، أخذ عن حمزة، مات سنة 189 هـ، انظر: طبقات القراء 1/535: 540.
[41196]:تقدم.
[41197]:انظر: الإتحاف 344، وحجة ابن خالويه 279، وقد قال ابن خالويه في الحجة: "فالحجة لمن قرأه بالتاء أنه أراد معنى المواجهة بالخطاب لما أنكروا البعث والنشور". وانظر: السبعة 498، وإبراز المعاني 636، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/165.
[41198]:في البحر المحيط "الزبير" وإذا كان هذا فهو الزبير بن العوام، وفي الدر المصون الزبيري كما تشير إليه النسخة الأصل هذه، وفي ب: الزهري وما في مختصر ابن خالويه "كيف بدأ الله الخلق ثم يعيده" بالفتح فيهما، يعني الياء والدال ونسبهما للزهري، انظر: المختصر 114، والحجة له أيضاً بدون نسبة 279، والبحر المحيط 7/146.
[41199]:أي: في [العنكبوت: 20].
[41200]:انظر: المحتسب 2/161 وهي من القراءات غير المتواترة واحتمال بعد هذا أن يكون "الزبيري" الذي ذكر احتمال أن يكون تصحيفاً لكلمة "الزهري" على أساس أنه قرأ بتحقيق الهمز وتسهيله فالله أعلم.
[41201]:ما بين المعقوفين ساقط من ب.
[41202]:من الكامل للفرزدق وقد تقدم.
[41203]:في ب: تحت.
[41204]:في ب: في الكيفية لا بالخلق أو لم يقل.
[41205]:في ب: بدلاً من فإن قيل: فصل "فإن قيل": فالجواب.
[41206]:ساقط من ب: لفظ "كل".
[41207]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/46.