اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (34)

قوله : «إنَّا مُنْزِلُونَ » ، قرأ ابن عامر بالتشديد ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ ابن مُحَيْصِن «رُجزاً » بضم الراء ، والأعمش وأبو حيوة «يَفْسِقُونَ » بالكسر .

( فإن قيل ){[41408]} : قال هنا : «إنَّا مُنَجُّوكَ » وقال لإبراهيم : «لنُنَجِّيَنَّهُ » - بصيغة الفعل فما الحكمة ؟ .

فالجواب : ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ، ولا تصل إلى أكثرها ، وما أوتي البشر من العلم إلا القليل{[41409]} ، والذي يظهر ( هاهنا ){[41410]} أن هناك لما قال لهم إبراهيم : { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم ، وهاهنا لما قالوا للوط وكان ذلك بعد سبق الوعد مرة ( قالوا ){[41411]} إنَّا مُنَجُّوكَ أي ذلك واقع منا كقوله تعالى : «إنَّكَ مَيِّتٌ »{[41412]} لضرورة وقوعه .

فإن قيل : ما مناسبة{[41413]} قوله : «إنا منجوك » لقوله : { لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ } فإن{[41414]} خوفه ما كان على نفسه .

فالجواب : أن لوطاً لما خاف عليهم وحزن لأجلهم قالوا : لا تخف علينا ولا تحزن لأجلنا فإنّنا ملائكة . ثم قالوا له يا لوط{[41415]} خفت علينا وحزنت لأجلنا ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك وفي مقابل حزنك نزيل حزنك{[41416]} ، ولا نتركك تفجع في أهلك ، فقالوا : { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } .

فإن قيل : القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك . فكيف كانت من الغابرين معهم ؟ .

فالجواب : أن الدالّ على الشر كفاعل الشر كما أن الدال على الخير كفاعله{[41417]} ، وهي كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم فبالدلالة{[41418]} صارت كأحدهم ، ثم إنهم بعد بشارة «لوط » بالتنجية ذكروا أنهم مُنْزِلُونَ على أهل هذه القرية العذاب{[41419]} .

واختلفوا في ذلك ، فقيل : حجارة ، وقيل : نار ، وقيل : خَسْف ، وعلى هذا يكون قولهم : { رِجْزاً مِنَ السماء } بمعنى أن الأمر من السماء بالخسف والقضاء به من السماء ، واعلم أن كلام الملائكة مع لوط جرى على ( نمط ){[41420]} كلامهم مع إبراهيم ، فقدموا البشارة على إنزال العذاب ، فقالوا : «إنا منجوك » ثم قالوا : «إنا مُنْزِلُونَ » ولم يعللوا التنجية ، فلم يقولوا : إنا منجوك لأنك نبي أو عابدٌ ، وعللوا الإهلاك ، فقالوا : { بما كانوا يفسقون } كقولهم هناك : { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } .


[41408]:ساقط من ب.
[41409]:في ب: إلا قليلاً.
[41410]:ساقط من ب.
[41411]:سقط من ب.
[41412]:الزمر: 30.
[41413]:في ب: ما معنى قوله.
[41414]:في ب: وإن خوفه.
[41415]:في ب: إنا لوط. وهو تحريف.
[41416]:ما في أ هو الصواب- كما في تفسير الفخر الرازي. وما في ب: ففي مقابلة خوفك علينا وحزنك لأجلنا وقت الحزن يزول خوفك، وننجيك، وفي مقابلة حزنك.
[41417]:في ب: فالجواب أن الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله.
[41418]:في ب: فالدلالة. وهو تحريف.
[41419]:في ب: بدل العذاب "رجزاً من السماء".
[41420]:ساقط من ب.