اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (32)

قوله : { قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ } الآية قيل : إنه لما نزلت هذه الآية ، قال عبد الله بن أبي لأصحابه : إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله ، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارَى عيسى - عليه السلام - فنزل قوله : { قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ } أعرَضوا عنها { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } لا يَرْضَى فعلَهم ولا يغفر لهم .

والمعنى : إنما أوجب الله عليكم طاعتي ، ومتابعتي - لا كما تقول النصارى في عيسى ، [ بل لكوني رسولاً من عند الله ] {[8]} .

قوله : { فإِن تَوَلَّوْاْ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مضارعاً ، والأصل " تَتَوَلُّوْا " فحذف إحدى التاءين كما تقدم ، وعلى هذا ، فالكلام جارٍ على نسق واحدٍ ، وهو الخطاب .

والثاني : أن يكون فعلاً ماضياً مسنداً لضمير غيب ، فيجوز أن يكون من باب الالتفاتِ ، ويكون المراد بالغُيَّبِ المخاطبين في المعنى ، ونظيره قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [ يونس : 22 ] .

فصل

روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ أمتي يدخلونَ الجنة إلا مَنْ أبَى " قالوا : ومن يَأبَى ؟ قال : " مَنْ أطَاعَني دَخَلَ الْجَنَّةَ ، ومَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى " {[9]} .

قال جابر بن عبد الله : " جاء الملائكة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم - وهو نائم - فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مَثَلاً ، فاضربوا له مَثَلاً ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً ، وجعل فيها مأدُبَةً ، وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دَخل الدارَ ، وأكل من المأدبةِ ، ومن لم يجب الداعيَ لم يدخل الدارَ ، ولم يأكُلْ من المأدُبَةِ ، فقالوا : أوِّلُوها له بفقهها ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العينَ نائمة والقلب يقظانُ ، قالوا : فالدار الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم من أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عَصَى محمداً فقد عصى الله ، ومحمد صلى الله عليه وسلم فَرَق بين الناس{[10]} .

روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أراد أن يحبه اللهُ عليه بصدقِ الحديثِ ، وأداء الأمانة وأن لا يؤذِي جاره " {[11]}

وروى مسلم - عن أبي هريرة - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً دعا جبريلَ فقال : إنِّي أحِبُّ فلاناً ، فأحبه ، قال : فيحبه جبريلُ ، ثم ينادي في السماء ، فيقول : إن الله يُحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهلُ السّماءِ ، قال : ثم يُوضَع له القبولُ في الأرض ، وإذا أبغض عبداً دعا جبريلَ فيقول : إني أبْغِضُ فلاناً فأبْغِضْهُ ، قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبْغِضُوه ، قال فيبغضونه ، ثم تُوضَع له البَغْضَاءُ في الأرض " {[12]} .

وقال : { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ولم يَقُلْ : فإنه لا يحب ؛ لأن العرب إذا عظَّمت الشيءَ أعادت ذِكْرهَ ، أنشد سيبويه [ قول الشاعر ] {[13]} : [ الخفيف ]

لا أرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ *** نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرا{[14]}

ويحتمل أن يكون لأجل أنه تقدم ذِكْرُ الله والرسول ، فذكره للتمييز ؛ لَئِلاّ يعودَ الضمير على الأقْرَبِ .


[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.