اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآيِٕ ٱلۡأٓخِرَةِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ} (16)

قوله : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } وهي البستان{[41875]} الذي في غاية النضارة ، وقوله : «يُحْبَرُونَ » قال ابن عباس يكرمون{[41876]} . وقال قتادة ومجاهد : يُنَعمون{[41877]} ، وقال مجاهد وأبو عبيدة : يسرون{[41878]} ، والحَبْر والحُبُور السرور . وقيل الحَبْرة في اللغة كل نعمة حسنة والتَّحْبير التَّحْسِينُ يقال هو حسن الحِبرَ والسِّبر بكسر الحاء والسين وفتحهما{[41879]} وفي الحديث : «حَبْرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً »{[41880]} ، أي حسنت لك صوتي والقرآن تحسيناً ، وجاء في الحديث «يَخْرُجُ من النَّارِ رَجُلٌ ذَهَبَ حَبْرُهُ وسَبْرُهُ »{[41881]} فالمفتوح{[41882]} مصدر والمكسور اسم ، والروضة الجنة ، قيل : ولا تكون روضة إلا وفيها نبت ، وقيل : إلا وفيها ماء ، وقيل : ما كانت منخفضة ، والمرتفعة يقال لها : تُرعة ، وقيل : لا يقال لها روضة إلا وهي في مكان غليظ مرتفع{[41883]} . قال الأعشى :

4037 - ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةً *** خَضْرَاءَ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ{[41884]}

وأصل رياضٍ رَواضٌ ، فقلبت الواو{[41885]} ياء على حدِّ حَوْضٍ وحِيَاضٍ ونكر الروضة للتعظيم{[41886]} ، وقال ههنا : يُحْبَرُونَ : بصيغة الفعل ولم يقل «مَحْبُورُونَ » وقال في الأخرى ( مُحْضَرُون{[41887]} ) بصيغة الاسم ولم يقل «يُحْضَرُونَ » لأن الفعل يدل على التجديد ، والاسم لا يدل عليه ، فقوله «يحبرون » يعني كل ساعة يأتيهم ما يسرون به ، وقوله «محضرون » أي الكفار في العذاب يبقون ( فيه{[41888]} ) مُحْضَرُونَ .


[41875]:انظر: القرطبي 14/11.
[41876]:السابق 14/12.
[41877]:السابق 14/12.
[41878]:مجاز القرآن 2/120.
[41879]:اللسان "ح ب ر".
[41880]:هو في حديث أبي موسى "لو علمت أنك تسمع لقراءتي لحبرتها لك تحبيراً"، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/327.
[41881]:انظر: النهاية المرجع السابق 1/327، وغريب الحديث لأبي عبيد 1/85، الفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/229، واللسان "ح ب ر" 749.
[41882]:في "ب" فالفتح.
[41883]:انظر الدر المصون 4/317، والقرطبي 14/11 واللسان "ح ب ر" 749. وانظر: غريب القرآن لابن قتيبة 341.
[41884]:البيت له من البسيط. وقوله: "مسبل، هطل" صفتان لموصوف محذوف أي سحاب أو غيث و"المسبل" المنتشر الكثير، والهطل: غزير الماء. ولقد أتى البيت لشاهد لغوي وهو أن الروضة هي لا تسمى هكذا إلا في مكان مرتفع حيث قال: "الحزن" وهو المكان المرتفع، وانظر: مجاز القرآن 2/120، والمفضليات بشرح الأنباري 220، وابن جرير 21/191 وفتح القدير 4/128 ومجمع البيان 7/465، والقرطبي 14/11 وإعراب القرآن للنحاس 3/268 و 165 والديوان "107" د/محمد محمد حسين.
[41885]:حيث وقعت الواو عيناً لفعال معتلة وقبلها كسرة وبعدها ألف وكانت في المفرد شبيهة بالمعلة وهذا أحد وجوه قلب الواو ياء.
[41886]:من شأنها وهذا بخلاف ما لو قال "الروضة" بالتعريف.
[41887]:ساقط من "ب".
[41888]:ساقط من "ب".