قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً } لما ذكر العرضيات اللازمة للأنفس المفارقة ذكر العرضيات التي للآفاق .
قوله : «يُريكُمُ البَرْق » فيه أوجه أظهرها : الموافق لأخواته{[41928]} أن يكون جملة اسمية من مبتدأ وخبر إلا أنه حذف الحرف المصدري ، ولما حذف بطل عمله والأصل : ومن آياته أن يُرِيَكُمْ ، كقوله :
4038 - أَلاَّ أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى *** . . . . . . . . . . . . . . . {[41929]}
الثاني : أن «من آياته » متعلق{[41930]} «بيريكم » أو بمحذوف على أنه حال من البَرْقِ . والتقدير «يريكم البرق من آياته » فيكون قد عطف جملة فعليةً على جملة اسمية .
والثالث : أن «يريكم » صفة لموصوف محذوف أي ومن آياته ( آية{[41931]} ) يريكم البرق بها أو فيها البرق فحذف الموصوف والعائد عليه ومثله :
4039 - وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا{[41932]} *** أموت . . . . . . . . . . . . . {[41933]}
الرابع : أن التقدير : ومن آياته سحابٌ أو شيءٌ يريكم ؛ فيريكم صفة لذلك المقدر ، وفاعل «يريكم » ضمير يعود عليه{[41934]} بخلاف الوجه قبله ، فإن الفاعل ضمير الباري تعالى .
المعنى يريكم البرقَ خوفاً للمسافرين من الصواعق ، وطمعاً للمقيمين في المطر وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون } .
قدم لوازم الأنفس على العوارض المفارقة ( حيث{[41935]} ذكر أولاً اختلاف الألسنة{[41936]} والألوان ثم المنام والابتغاء ، وقدم في الآفاق العارضة المفارقة ) على اللوازم حيث قال : { يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ عليكم } وذلك لأن الإنسان متغير الحال{[41937]} ، فالعوارض فيها أغرب من اللوازم فقدم ما هو عجيب لكونه أدخلَ في كونهِ «آيةً » فإن الإنسان يتغير حاله بالكبر والصغر والصحة والسقم فله صوت يعرف به لا يتغير وله لون يتميز به عن غيره ، وهو متغير{[41938]} بذلك في الأحوال وذلك لا يتغير وهو آية عجيبة والسماء ( والأرض{[41939]} ) ثابتان لا يتغيران ثم نرى في بعض الأحوال أمطاراً هاطلةً ، وبُرُوقاً هائِلةً والسماء كما كانت والأرض كما كانت وذلك آية تدل على فاعل مختار يديم أمراً مع تغير المحلِّ ويُزِيل أمراً مع ثبات المحلِّ .
كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض وهو الإنبات والإحياء وكما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافعَ كذلك في تقديم الرعد والبرق على المطر منفعة وهي أن البرق إذا لاح فالذي لا يكون تحت كِنّ{[41940]} يخاف الابتلال فيستعد له ، والذي له صهْريج{[41941]} ، أو مصنع يحتاج إلى الماء أو زرع يسوي مجاري الماء ، وأيضاً أهل البوادي{[41942]} لا يعلمون أن البلاد عشبة إن لم يكونوا قد رأوا البروقَ اللائحة من جانبٍ دُونَ جانبٍ ، واعلم أن دلائل البرق وفوائده وإن لم تظهر للمُقِيمينَ في البلاد فهي ظاهرة للبادين فلهذا جعل تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية .
أما كونه آيةً فلأن الذي في السحاب ليس إلا ماءً وهواءً وخروج النار{[41943]} منهما بحيث يحرق الجبال في غاية البعد فلا بد له من خالق وهو الله . وقالت الفلاسفة : السحاب فيه كثافة ولطافة بالنسبة إلى الهواء أو الماء فالهَوَى{[41944]} ألطف منه والماء أكثف فإذا هبت الريحُ قويةً تحرك السحابُ فيَحْدُثُ صوت الرعد وتخرج منه النار ، كما أن النار تخرج من وَقْعِ الحَجَر على الحَديد فإن قيل : الحديد والحجر جسمان صُلْبَان ، والسحاب والريح جسمان ( لَينانِ{[41945]} ) ( فنقول{[41946]} لكن حركة يد الإنسان ضعيفة ، وحركة الريح قوية تقلع الأشجار ) فنقول لهم الرعد والبرق ( أَمْرانِ{[41947]} ) حادثان لا بد لهما من مسبِّب ، وقد{[41948]} علم بالبرهان كونُ كلِّ حادث ( فهما ){[41949]} من الله ثم نقول : ( هب{[41950]} ) أن الأمر كما يقولون فهبوب تلك الريح القوية من الأمور الحادثة العجيبة فلا بد لها من سبب{[41951]} وينتهي إلى واجب الوجود فهو آية للعاقل على قدرة الله كَيْفَمَا فَرَضْتُمْ .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا : { آيات لقوم يعقلون } وقوله فيما تقدم : «لقوم يتفكرون ؟ » فالجواب :
لما كان حدوث الولد من الوالد أمراً عادياً مطرداً قليل الاختلاف كان يتطرق إلى الأوهام العامية أن ذلك بالطبيعة لأن المطرد أقرب إلى{[41952]} الطبيعة ( من ){[41953]} المختلف ، والبرق والمطر ليس أمراً مطرداً ( غير مختلف{[41954]} ) بل يختلف إذ يقع ببلدة دون بلدة وفي وقت دون وقت ، وتارة يكون قوياً{[41955]} ، وتارة يكون ضعيفاً فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار ، فقال هو آية لمن له عقل وإن لم يتفكر تفكراً تاماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.