قوله تعالى{[41956]} : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ } قال ابن مسعود : قامتا على غير عُمُدٍ بأمره . واعلم أنه ذكر من لوزم السماء والأرض قيامهما{[41957]} فإن الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء في علوها معجب{[41958]} من علوها وثباتها من غير عمد ، وهذا من اللوازم ، فإن الأرض لا تخرج عن مكانه الذي فيه .
( فإن{[41959]} قيل : ) بأنها تتحرك في مكانها كالرَّحَاء ، ولكن اتفق العقلاء على أنها في مكانها ( لا تخرج عنه{[41960]} . وهذا آية ظاهرة لأن كونهما في الموضع الذي هما فيه ، وعلى الموضع الذي هما عليه ) من الأمور الممكنة وكونهما في غير ذلك الموضع جائز فكان يمكن أن يَخْرُجَا منه ، فلمّا لم يخرجا كان ذلك ترجيحاً للجائز على غيره وذلك لا يكون إلا بفاعل مختار ، وقالت الفلاسفة : كون الأرض في الكائن الذي هي فيه طبيعى لها لأنها أثقل الأشياء ، والثقيل يطلب المركز{[41961]} والخفيف يطلب المحيط وكون السماء في مكانها إن كانت ذات مكان فلذاتها ، فقيامها فيه لطبعها وأُجيبُوا بأنكم وافقتمونا بأن ما جاز على أحد المثلين جاز على المثل الآخر لكن مقعَّر الفلك لا يخالف مُحْدَبه{[41962]} في الطبع فيجوز حصول مقعره في موضع محْدبه{[41963]} وذلك بالخروج والزوال فإذن تطرق الزوال إليه عن المكان ممكن لا سيما على السماء الدنيا فإنها ليست محدّده للجهات على مذهبكم أيضاً والأرض كانت يجوز عليها الحركة الدورية كما تقولون على السماء فعدمها وسكونها ليس إلا بفاعل مختار .
ذكر الله تعالى من كل باب أمرين : أما من الأنفس فقوله : «( خلقكم{[41964]} ) وخلق لكم » واستدل بخلق{[41965]} الزوجين ومن الآفاق السماء والأرض ( فقال : «خلق السماوات والأرض » ) ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارض الآفاق البَرْقَ والأمطار ومن لوازمها قيام السماء والأرض ؛ لأن الواحد يكفي للإقرار بالحق ، والثاني يفيد الاستقرار ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين ، فإن قول أحدهما يفيد الظن ، ، وقول الآخر يفيد تأكيده ، ولهذا قال إبراهيم عليه ( الصَّلاَة{[41966]} و ) السلام : { بلى وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 60 ] .
فصل{[41967]} :
قوله : بأمره أي بقوله : «قوما » أو بإرادته قيامهما ؛ لأن الأمر عند المعتزلة موافقٌ للإرادة وعندنا ليس كذلك ولكن النزاع في أمر التكليف ، لا في أمر التكوين فإنا لا ننازعهم في أن قوله : «كُنْ{[41968]} فَيَكُونَ » و «كُونِي{[41969]} » و «كونوا »{[41970]} موافق للإرادة .
فإن قيل : ما الفائدة في قوله «ههنا » : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء } وقال قبله{[41971]} : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } ( ولم{[41972]} يقل : أنْ يُرِيَكُم ) ليصير ( كالمصدر{[41973]} «بأن » ؟ ) .
فالجواب : أن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل ولم يذكر معه الحروف المصدرية .
فإن قيل : ما الحكمة في أنه ذكر ست دلائلَ وذكر في أربعةٍ منها : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } ولم يذكر الأولى وهو قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِن تُرَابٍ } ولا في الآخر وهو قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء والأرض } ؟ .
فالجواب : أما الأول فلأن قوله بعده : { ومن آياته أن خلق لكم } أيضاً دليل الأنفس فخلق السماء والأرض وخلق الأزواج من باب واحد على ما تقدم من أنه تعالى ذكر من كل باب أمرين للتقرير{[41974]} والتوكيد . فلما قال في الثانية : { إن في ذلك لآيات } كان عائداً إليهما ، وأما في قيام السماء والأرض فلأنه ذكر في الآيات السماوية{[41975]} أنها آيات للعالمين ولقوم يعقلون وذلك لظهورها فلما كان في أول الأمر ظاهراً ففي آخر الأمر بعد سَرْدِ الدلائل يكون أظهر ( فلم يميز أحداً في ذلك عن{[41976]} الآخر ) . ثم إنه تعالى لما ذكر الدليل على القدرة والتوحيد ذكر مدلوله وهو قدرته على الإعادة فقال : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } وجه العطف «بثم » و «بم تعلق » فمعناه أنه تعالى إذا بين لكم كمال قدرته بهذه الآيات بعد ذلك يخبركم ويعلمكم أنه إذا قال للعظام الرميمة اخرجوا من الأجداث يخرجون أحياء{[41977]} .
قوله : «مِنَ الأَرْضِ » فيه أوجه : أظهرها : أنه متعلق بمحذوف يدل عليه «يخرجون » أي خرجتم من الأرض{[41978]} ، ولا جائز أن يتعلق «بتَخْرُجُونَ » لأن ما بعد «إذا » لا يعمل فيما قبلها .
قَوْلُ القَائِل : «دعا فلانٌ فلاناً من الجبل » يحتمل أن يكون الدعاء من الجبل كما يقول القائل : يا فلانُ ( اصْعَدْ{[41979]} ) إلى الجبل ، ( فيقال : دَعَاهُ{[41980]} من الجبل ، ويحتمل أن يكون المدعوّ يُدْعَى من الجبل كما يقول القائل : يا فلانُ انزل من الجبل فيقال دعاه من الجبل ) ، ولا يخفى على العاقل أن الدعاء لا يكون من الأرض إذا كان الداعي هو اللَّه ، والمدعوّ يدعى من الأرض ، يعني أنكم في الأرض فيدعوكم منها فتخرجون ، وَإِذا هي الفجائية ، قال أكثر العلماء معنى الآية : ثم إذا دعاكم دعوة إِذا أنتم تخرجون من الأرض .
فصل{[41981]} :
قال ههنا : { إذا أنتم تخرجون } وقال في خلق الإنسان أولاً : { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } لأن هناك يكون خلقٌ وتقديرٌ وتدريجٌ حتى يصير التراب قابلاً للحياة فينفُخُ فيه روحَه فإذا هو بشر ، وأما في الإعادة فلا يكون تدريجٌ وتراخٍ بل يكون نداء وخروج ، فلم يقل ههنا : «ثُمَّ »{[41982]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.