اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

قوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } لما ذكر حال المشركين الذي يؤذون الله ورسوله والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ذكر حال المُسِرِّ الذي لا يظهر الحق ويظهر الباطل وهو المنافق ولما كان المذكور من قبلُ أقواماً ثلاثةً نظر إلى أمورِ ثلاثة وهم المُؤْذُونَ لله والمُؤْذُونَ للرسول ، والمؤذون للمؤمنين ذكر للمسرين ثلاثة نظراً إلى اعتبار أمور ثلاثة :

أحدها : المنافق الذي يؤذي الله سرّاً .

والثاني : الذي في قلبه مرض وهو الذي يؤذي المؤمن باتباع نِسَائِهِ .

والثالث : المرجف الذي يؤذي النبي عليه ( الصلاة{[43957]} و ) السلام بالإرجاف بقوله : غُلِبَ محمد ، وسيخرج من المدينة وسيؤخذ ، وهؤلاء وإِنْ كانوا قوماً واحداً إلاَّ أنَّ لهم ثلاث اعتبارات وهذا لقوله تعالى : { إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } حيث ذكر أصنافاً عشرة وكلهم يوجد في واحد بالشخص لكنه كثير الاعتبار{[43958]} فقال : { لَئِن لَمْ يَنْتَهِ المنافقون } أي عن نفاقهم { والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } يعني الزناة ، { والمرجفون فِي المدينة } بالكذب وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوقِعُونَ في الناس أنهم قتلوا وهزموا ويقولون قد أتاكم العدو ونحوه ، وقال الكلبي : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا وَيفْشُو الأخبار{[43959]} .

قوله : «لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ » أي لنُحَرِّشَنَّكَ{[43960]} وَلنُسَلِّطَنَّكَ عليهم لِتُخْرِجَهُمْ من المدينة { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا } لا يساكنونك فيها أي في المدينة «إلاَّ قَلِيلاً » حتى يخرجوا منها ، وقيل : لنسلطنهم{[43961]} عليهم بقتلهم ونخرجهم من المدينة .

قوله : «إلاَّ قَلِيلاً » أي إِلاَّ زماناً قليلاً ، أو إلا جوَاراً قليلاً ، وقيل : «قليلاً » نصب على الحال من فاعل «يجاورونك » أي إِلا أَقِلاَّءَ أَذِلاَّء بمعنى قَلِيلِينَ ، وقيل : قليلاً منصوب على الاستثناء أي لا يجاورك إلا القليل منهم على أذل حال وأقله{[43962]} .


[43957]:زيادة من "ب" على "أ".
[43958]:تفسير الرازي 25/231.
[43959]:قاله البغوي في معالم التنزيل 5/277.
[43960]:قاله ابن قتيبة في غريب القرآن 352 وقد قال: "أي لَنُسَلِّطَنَكَّ عليهم ونولعنك بهم" وانظر: البغوي 5/277.
[43961]:في البغوي لنسلطنك وهو الظاهر.
[43962]:الدر المصون 4/403 والبحر المحيط 7/251.