اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأقارب ونحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله - عز وجل - { لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ } أي لا إثم عليهنّ في ترك الاحتجاب عن هؤلاء{[43894]} «وَلاَ نِسَائِهِنَّ » قيل : أراد به نساء المُسْلمات حتى لا يجوز للكتابيات الدخول عليهن{[43895]} .

وقيل : هو عام في المسلمات والكتابيات{[43896]} وإنَّمَا قال : «وَلاَ نِسَائِهِنَّ » لأنهن من أجناسهن ، وقدم الآباء لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر ، وكيف وهم رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر ، إنما الكلام في بني الإخوة حيث قدمهم الله عليه على بنات الأخواتِ لأن بني الأخوات آباؤهم ليس المحارم خالات{[43897]} أبنائهم وبني الإخوة آباؤهم محارم أيضاً ، ففي بني الأخوات مفسدة ما وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك بنوة الإخوة . فإن قيل : لم يذكر الله تعالى من المحارم الأعمام والأخوال ولم يقل : ولا أعمامهن ولا أخوالهن ؟ .

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن ذلك معلوم من بني الإخوة وبني الأخوات لأن من علم أن بني الأخ للعمّات محارم علم أن بنات الأخ عند آبائهم وهم غير محارم وكذلك الحال في ابن{[43898]} الخال .

قوله : { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ذكر هذا بعد الكل ، فإن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة{[43899]} ، واختلفوا في عبد المرأة هل يكون محرماً لها فقيل يكون لها لقوله : { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ، وقيل : المراد من كان دون البلوغ{[43900]} .

قوله : «واتَّقِينَ » عطف على محذوف أي امْتَثِلْنَ ما أُمرْتُنِ بِهِ واتَّقِينَ اللَّهَ{[43901]} أن يراكنّ غير هؤلاء{[43902]} ، وقوله : { إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } في غاية الحسن في هذا الموضع لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم فقال إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة الله تعالى فاتقوا{[43903]} الله فإنه شهيد على أعمال العباد .


[43894]:زاد المسير 6/417.
[43895]:الخازن والبغوي 5/273.
[43896]:الخازن والبغوي 5/273.
[43897]:في تفسير الفخر: "إنما هم أزواج خالات أبنائهم".
[43898]:في "ب" والرازي: "أمر الخال".
[43899]:وانظر هذا كله في التفسير الكبير للفخر الرازي 25/226.
[43900]:ذكره الخازن في لباب التأويل والبغوي في معالم التنزيل 5/274 وابن الجوزي في زاد المسير 6/418.
[43901]:قاله السمين في الدر 4/406.
[43902]:قاله البغوي في معالم التنزيل 5/274.
[43903]:قاله الفخر الرازي 25/227.