قوله : «تُرْجِي » أي تؤخر{[43767]} { مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ } أي تضم{[43768]} إِلَيْكَ «مَنْ تَشَاءُ » واختلف المفسرون في معنى الآية فأشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كان واجباً عليه ، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن . قال أبو رزين{[43769]} وابنُ زيد نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب بعضهن زيادة النفقة وهجرهن النبي - صلى الله علي وسلم - شهراً حتى نزلت آية التخيير فأمره الله - عز وجل - أن يُخَيرَهُن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ، ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الآخرة على أنهن أمهات المؤمنين فلا يُنكحن أبداً وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قَسَم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعض دون بعض أو فضل بعضهن على بعض في النفقة والقسمة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائص فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط{[43770]} وذلك لأن النبي{[43771]} عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى أمته نسبة السّيد المطاع والرجل وإن لم يكن نبياً فالزوجة في ملك نكاحه والنكاح عليها فكيف زوجات النبي بالنسبة إليه فإذن هن كالمملوكات له ولا يجب القسم بين المملوكات . والإرجاء التأخير والإيواء الضم ، واختلفوا في أنه هل أخرج أحداً منهن عن القسم فقيل : لم يخرج أحداً بل كان رسول{[43772]} الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما جعل الله من ذلك يسوي بينهن في القسم إلا سَوْدَةَ{[43773]} فإنها رَضِيَتْ بترك حقها من القَسْم وجعلت نوبتها لعائشةَ ، وقيل : أَخْرَجَ بعضهن{[43774]} ، روى جرير{[43775]} عن منصور{[43776]} عن أبي رَزِين قال : لما نزلت آية التخيير أَشفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ ، فقلن يا رسول الله : اجعل لنا من نفسك ومالك ما شئتَ ودَعْنَا على حالنا فنزلت هذه الآية فأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهن وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى عائشةُ وحفصةُ وزينبُ وأمُّ سلمة وكان يقسم بينهن سواءً ، وأرجأ منهن خمساً : أمَّ حبيبة{[43777]} ، وميمونَة ، وسودةَ ، وصفيةَ{[43778]} ، وجُوَيْرِية{[43779]} فكان يقسِمُ لهن ما شاء{[43780]} .
وقال مجاهد : ترجي من تشاء منهن يعني تعزل من تشاء منهنّ بغير طلاق وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد{[43781]} ، وقال ابن عباس : تطلق من تشاء منهن وتُمْسك من تشاء{[43782]} وقال الحسن : تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من تشاء من أمتك{[43783]} وقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خَطب امرأة لم يكن لغيره خِطْبَتُهَا حتى يتركها رسول الله{[43784]} - صلى الله عليه وسلم - وقيل : تَقْبَلُ من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتَتْرُكُ من تشاء فلا تقبلها{[43785]} ، روى هشامٌ عن أبيه قال : كانت خَوْلَةُ بنتُ حَكِيمٍ من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة : أما تستحيي المرأة أن تَهَب نفسها للرجل فلما نزلت { تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ } قالت : يا رسول الله . ما أرى ربُّكَ إلاّ يُسارع في هَوَاكَ{[43786]} .
قوله : «وَمَن ابْتَغَيْتَ » يجوز في «من » وجهان :
أحدهما : أنها شرطية في محل نصب بما بعدها وقوله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } جوابها ، والمعنى من طلبتها من النسوة اللاتي عزلتهن فليس عَليك في ذلك جناح{[43787]} .
والثاني : أن تكون مبتدأة ، والعائد محذوف{[43788]} وعلى هذا فيجوز في «مَنْ » أن تكون «موصولة » وأنْ تكون شرطية ، و { فلا جناح عليك } خبر ، أو جواب أي التي ابتغيتها . ولا بد حينئذ من ضمير راجع إلى اسم الشرط من الجواب أي في ابتغائها وطلبها{[43789]} ، وقيل : في الكلام حذف معطوف تقديره : ومن ابتغيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ وممن لم تعزل سواء ، لا جناح عليك كما تقول : «مَنْ لَقِيَكَ ممَّن لَمْ يَلْقكَ جميعُهم لَكَ شَاكرٌ » يريد من لقيك ومن لم يلقك وهذا فيه إِلغاز{[43790]} .
قوله : «ذَلِكَ » أي التفويض إلى مشيئتك { أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } أي أقرب إلى قرة أعينهن ، والعامة «تَقَرَّ » مبنياً للفاعل مسنداً «لأعينهن » وابن مُحِيْصِن «تُقرّ » من «أقر » - رباعياً - وفاعله ضمير المخاطب{[43791]} ( و ){[43792]} «أَعْيُنَهُنَّ » ، نصب على المفعول به وقرئ " تُقَرّ " مبنياً للمفعول{[43793]} ( و ) «أَعْيُنُهُنّ َ » رفع لقيامه مقام الفاعل وتقدم معنى «قرة العين »{[43794]} في مريم .
قوله : «كُلُّهن » العامة على رفعه توكيداً لفاعل «يَرْضَِيْنَ » ، وأبو إياس{[43795]} بالنصب توكيداً لمفعول «آتَيْتَهُنَّ »{[43796]} .
قال المفسرونَ لا جناح عليك لا إثم عليك ، أباحَ له ترك القَسْم لهن حتى إنه ليُرْجِي من يشاء في نوبتها وَيَطَأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلاً له على سائر الرجال { ذلك أدنى أن تقر أعينهنّ وَلاَ يَحْزَنَّ } أي ذلك التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن ، وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل ، { وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ } أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء { والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ } من أمر النساء والميل إلى بعضهن { وَكَانَ الله عَلِيماً حَلِيماً } أي إن أضمرت خلاف ما أظهرت فالله يعلم ضمائر القلوب فإنه عليم وإن لم يعاقبْهن{[43797]} في الحال فلا يغتررن{[43798]} فإنه حليم لا يعجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.