اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

قوله : { إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي } العامة على نصب «الملائكة » نَسَقاً على اسم «إن » و «يُصَلُّونَ » هل هو خبر عن «اللَّه وملائكته » أو عن «الملائكة » فقط ، وخبر الجلالة محذوف لتغاير الصلاتين خلاف{[43904]} . وقرأ ابن عباس وُرَويت{[43905]} عن أبي عمرو : وَمَلاَئِكَتُهُ رفعاً{[43906]} فيحتمل أنْ يكون عطفاً على محل اسم «إِنَّ » عند بعضهم{[43907]} ، وأن يكون مبتدأ والخبر محذوف وهو مذهب البصريين{[43908]} ، وقد تقدم فيه بحث نحو : زَيْدٌ ضَارِبٌ وعَمْرٌو أي ضَارِبٌ فِي الأَرْضِ .

فصل :

لما أمر{[43909]} بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراماً له كمل بيان حرمته وذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله : { لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ } وحالة بكونه في ملأ والملأ إما الملأ الأعلى وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى فإن الله وملائكته يصلون عليه ، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله : { يا أيها الذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } .

فصل :

قال ابن عباس : أراد أنّ الله يرحم النبي والملائكة يدعون له ، وعن ابن عباس أيضاً : يصلون يزكون ، وقيل : الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار{[43910]} . وقال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء{[43911]} ، روى عبد الرحمن بنُ أَبي لَيْلَى قال : «لَقِيَنِي كعْب بن عُجْرَةَ فقال : ألا أُهْدِي لك هديّة سمعتُها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت بلى فأهدها إليَّ قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم فكيف نصلي عليك ؟ قال : «قولوا اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبْرَاهيم إنك حميد مجيد »{[43912]} وروى أبو حُمَيْد السَّاعِدِيّ «أنهم قالوا يا رسول الله : كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا : اللَّهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد »{[43913]} وروى ابن مسعود قال : «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً »{[43914]} . وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدةً صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْراً »{[43915]} ، وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنه جاء ذات يوم والبِشْرُ في وجهه فقال : «إِنِّي جَاءَنِي جبريلُ فقال : أَمَا يُرْضِيكَ يا محمد أن لا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلاَّ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْراً وَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلاَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْراً »{[43916]} وروى عامر بن ربيعة{[43917]} «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّت المَلاَئِكَةُ عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ فليقلّ العَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أوْ لِيُكْثِرُ »{[43918]} وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ لِلَّه مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ في الأَرْضِ يُبَلِّغُونَ عَنْ أُمَّتِي السَّلاَمَ »{[43919]} .

فصل :

دلت الآية على وجوب{[43920]} الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الأمر للوجوب ولا تجب في غير التشهد فتجب في التشهد وكذلك قوله : «وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد : السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ، ولم يُؤكد الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } .

فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا ؟ .

فالجواب : أن الصلاة عليه ليس لحاجة{[43921]} إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه ، وإنما هو إظهاره وتعظيمه ( كما أن الله تعالى ){[43922]} وجب علينا ذكر نفسه ولا حاجة له إليه وإنما هو لإظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه ولهذا قال عليه ( الصلاة{[43923]} و ) السلام : «ومن صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً » .


[43904]:تقدم عند قوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من الآية 43 من نفس السورة.
[43905]:هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي رُوَيْس المقرئ، قرأ على يعقوب الحَضْرَمِيّ تصدر للإقراء قرأ عليه محمد بن هارون التمار وأبو عبد الله الزبيري مات بالبصرة سنة 238 هـ، انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي 1/216 وغاية النهاية 2/234 و 235.
[43906]:لم ترد هذه القراءة مروية عن أبي عمرو في السبع أو العشر المتواترة كما لم ترد عن طريق الأربع الشواذ فوق العشرة وعلى ذلك فهي غير متواترة انظر: مختصر ابن خالويه 120 والكشاف 3/272.
[43907]:وهو ما يسمى بالعطف على المحل وهو القسم الثاني من أقسام العطف وقوله "عند بعضهم" أي بعض البصريين لأن للعطف على المحل شروطاً ثلاثة معروفة من بينها وجوب المُحْرِز- أي الطالب لذلك المحل والطالب لرفع لفظ الجلالة- وهو الله- هو الابتداء والابتداء هو التجرد والتجرد قد زال بدخول "إنَّ" ولكن الكوفيين أجازوا تلك المسألة وشبيهتها لأنهم لم يشترطوا المُحْرز، ولأن "أن" لم تعمل عندهم في الخبر شيئاً بل هو مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها.
[43908]:لأنهم يشترطون في العطف على المحل وجود المحرز كما قلت.
[43909]:تفسير الرازي 25/227.
[43910]:معالم التنزيل للبغوي 5/274.
[43911]:زاد المسير 6/398.
[43912]:السابق.
[43913]:رواه البخاري 3/178 والإمام مالك في الموطأ باب السفر برقم 66 ومسند الإمام أحمد 1/63 و 3/47 و 4/118 و 241 و 243 و 244 و 5/274 و 274 و 424.
[43914]:الحديث في الترمذي 1/32 الوتر "باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي".
[43915]:نقله البغوي في معالم التنزيل 5/275 والجامع في أحكام القرآن للقرطبي 14/235.
[43916]:المرجعان السابقان القرطبي 14/237 والبغوي 5/275 وانظر الخازن 5/275 وفي القرطبي "والبُشْرَى في وجهه" بدل "البِشْر".
[43917]:ابن كعب بن مالك العنزي أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة وشهد بدراً والمشاهد له اثنان وعشرون حديثاً مات سنة 33 هـ انظر: خلاصة الكمال 84.
[43918]:البغوي 5/275.
[43919]:القرطبي 14/227.
[43920]:وهو قول محمد بن المواز، وابن العربي والدارقطني فيما ذكر القرطبي، والذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها كالإمام مالك وسفيان الثوري وأهل المدينة وأهل الكوفة.
[43921]:في تفسير الفخر الرازي "لحاجته إليها".
[43922]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[43923]:سقط من "ب".