اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

قوله ( تعالى{[43924]} ) : { إِنَّ{[43925]} الذين يُؤْذُونَ الله } فيه أوجه أي يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر ذلك حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الأنداد ونسبة الولد والزوجة{[43926]} إليه ، قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون{[43927]} ، قال عليه ( الصلاة{[43928]} و ) السلام يقول الله تعالى : «شَتَمَنِي عَبْدِي يَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدُ وَلَم أَولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كفواً أَحَدٌ »{[43929]} ، وقال عليه ( الصلاة{[43930]} و ) السلام قال الله تعالى : «يُؤذِيني ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهرَ وأَنَا الدَّهرُ بِيدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ »{[43931]} ، وقيل : يؤذون الله : يلحدون في أسمائه وصفاته{[43932]} ، وقال عكرمة : هم أصحاب التصاوير{[43933]} ، روى أبو هريرة قال : «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : «قال الله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فليخلقوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً »{[43934]} .

ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي أولياء الله كقوله : { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] أي أهل القرية{[43935]} قال عليه ( الصلاة{[43936]} و ) السلام : قال الله تعالى : «مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ » وقال : «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيَّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ »{[43937]} . ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله وارتكاب معاصيه وذكره على ما يتعارفه الناس بينهم والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد ، وقال بعضهم أتى بالجلالة تعظيماً ، والمراد يؤذون رسولي كقوله : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس : هو أنه شُجَّ في وجهه وكُسِرت رُبَاعِيّتُه ، وقيل : ساحر شاعر معلم مجنون{[43938]} ، ثم قال : { لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة } واللعن الطرد ، وهذا إشارة إلى بعد لا رجاء للقرب معه ، لأن البعيد في الدنيا يرجو القرب في الآخرة فإذا خاب في الآخرة فقد خاب وخسر . ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه في الإبعاد بل أوعده بالعذاب المهين فقال : «وَأَعَدَّ لَهُمْ » وهذا يفيد التأكيد ؛ لأن السيد إذا عذب عبده حالة الغضب من غير إعداد يكون دون ما أعد له قيداً وغلاًّ{[43939]} .


[43924]:سقط من "ب".
[43925]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/228.
[43926]:في "ب" والزوجية بياء النسبة.
[43927]:ذكر هذا المعنى البغوي والخازن عنه بدون سند انظر تفسيريهما 5/275 وزاد المسير لابن الجوزي 6/420، ومعنى آذى الله: وصفه بما هو منزه عنه وعصيانه ولعنهم بالدنيا: بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار.
[43928]:زيادة من "ب".
[43929]:أورده البغوي والخازن في تفسيريهما مروياً عن أبي هريرة رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورواه البخاري بصيغة كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك.
[43930]:زيادة من "ب".
[43931]:الحديث أورده البخاري مروياً عن أبي هريرة 3/187 وكذلك أورده مسلم في صحيحه باب الألفاظ وفي مسند الإمام أحمد 3/238 و 372.
[43932]:نقله البغوي في تفسيره 5/276.
[43933]:المرجع السابق وانظر: القرطبي 14/238.
[43934]:في صحيح البخاري 4/44 باب اللباس وانظر: مسند الإمام أحمد 2/232 و 259 و 391 و 451 و 527.
[43935]:هذا هو الوجه الثاني في معنى قوله: "إن الله" فقوله: "ويحتمل أن يكون على حذف مضاف" معطوف على قوله" أي يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر ذلك" وانظر: البحر المحيط لأبي حيان 7/249، والدر المصون 4/402 والكشاف 3/273 و 274.
[43936]:سقط من "أ".
[43937]:ذكر الأول البخاري في صحيحه باب الرقاق وانظر الاثنين في الخازن والبغوي بدون سند 5/276.
[43938]:زاد المسير 6/420 والبغوي والخازن 5/276.
[43939]:قاله الفخر الرازي في تفسيره 25/228.