اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

قوله : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } : ( ضغثاً ) معطوف على «اركُضْ » . والضَّغْثُ الحِزْمة الصَّغيرة من الحَشِيش والقُضْبَان ، وقيل : الحزمة الكبيرة من القضبان . وفي المثل : «ضِغْثٌ عَلَى إبَّالة » والإبَّالَةُ الحزمة من الحَطَب ، قال الشاعر :

وَأَسْفَلَ مِنِّي نَهْدَةٌ قَدْ رَبَطتُهاَ*** وَأَلْقَيْتُ ضِغْثاً مِنْ خَلًى مُتَطَيبِ

وأصل المادة يدل على جمع المختلطات ، وقد تقدم هذا في يُوسُفَ في قوله : { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } [ يوسف : 44 ] .

قوله : { فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } : الحِنْثُ الإثم ويطلق على فعل ما حُلف على تَرْكه أو تَرك ما حلف على فعله لأنهما سببان فيه غالباً .

فصل :

هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه ، وقد روي أنه حلف على أهله ، وختلفوا في سبب حلفه عليها ، ويبعد ما قيل : إنها رغبة في طاعة الشيطان ويبعد أيضاً ما رُوِيَ أنها قطعت ذَوَائِبَها لأن المضطر يباح له ذلك ، بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات ، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليَضرِبنَّهَا مائةً إذا برئ ، ولما كانت حسنة الخدمة لا جَرَمَ حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها وهذه الرخصة باقية ، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى برجل ضَعيفٍ زَنَا بأمةٍ فقال : «خُذُوا عثْكَالاً فيه مائة شِمراخ فاضربوه بها ضربةً واحدةً » .

قوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } فإن قيل : كيف وجده صابراً وقد شكا إليه ؟

فالجواب من وجوه :

الأول : أنه شكى مَسَّ الشيطان إليه وما شكى إلى أحدٍ .

والثاني : أن الآلام حين كانت على الجسد لم يذكر شيئاً فلما عظمت الوَسَاوِسُ خاف على القلب والدين فتَضَرَّع .

الثالث : أن الشيطان عدو والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر .

قوله : { نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ } يدل على أن التشريف بقوله : { نِّعْمَ العبد } إنما حصل لكونه أواباً .

روي أنه لما نزل قوله تعالى : { نِّعْمَ العبد } في حق سليمان تَارةً وفي حق أيوبَ أخرى عظم في قلوب أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : إن قوله : نعم العبد تشريفٌ عظيم فإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب لم نقدر عليه فكيف السبيل إلى تحصيله ؟ فأنزل الله تعالى قوله : { فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير } [ الحج : 78 ] . والمراد أنك إن لم تكن نعم لعبد فأنا نعم المولى فإن كان منك الفضل فمني الفضل وإن كان منك التقصير فمني الرحمةُ والتَّيْسِيرُ .