أحدها : أنه مصدر مؤكِّد لمضْمُون الجُمْلَة [ قَبْلَه ]{[5]} ، فيَجِبُ إضْمَارُ عَامِلِه وتأخيرُه عن الجُمْلَة المؤكِّد لَهَا ، والتقدير : أحُقُّ ذلك حَقاً ، وهكذا كُلُّ مَصْدَر مؤكِّدٍ لِغَيْره أو لِنَفْسِهِ .
قال بعضهم : انْتَصَبَ " حَقّاً " على مِثْلِ قولك : " زَيْدٌ أخُوك حَقّاً " ، تقديره : أخْبَرْتُك بهذا المَعْنَى إخْبَاراً حَقّاً .
والثاني : أنه حالٌ من قوله : " هُمُ الكَافِرُونَ " قال أبو البقاء{[6]} : أي : " كَافِرُون غير شَكٍّ " وهذا يشبه أن يكونَ تفسيراً للمصْدر المؤكد ، وقد طعن الواحديُّ على هذا التوجيه ؛ فقال : " الكُفْرُ لا يكُونُ حَقًّا بوجْهٍ من الوجوه " ، والجوابُ : أنَّ الحقَّ هنا ليس يرادُ به ما يقابلُ الباطلَ ، بل المرادُ به أنه ثابتٌ لا محالةَ ، وأنَّ كفرهم مقطوعٌ به .
الثالث : أنه نعتٌ لمصدر محذوف ، أي : الكافرون كُفْراً حَقًّا ، وهو أيضاً مصدر مؤكِّد ، ولكن الفرق بينه وبين الوجه الأول ، أنَّ هذا عاملُه مذكورٌ ، وهو اسمُ الفاعل ، وذاك عاملُه محذوف .
أي{[7]} : كانوا كَافِرين حَقّاً لوجْهَيْن :
الأول : أن الدَّليلَ الذي يدُلُّ على نُبُوَّة البَعْضِ ، ألزم{[8]} مِنْه القطع بأنَّه حَيْث حصلت المُعْجِزَة{[9]} حصلت النُّبُوَّة ، فإن جَوَّزْنَا في بَعْضِ المواضِع حُصُول المُعْجِز بدُون الصِّدْق ، تعذَّر{[10]} الاستدلال بالمُعْجِزِ على الصِّدْق ، وحينئذٍ يَلْزَم الكُفْرُ بِجَميعِ الأنْبِيَاءِ ، فَثَبت أنَّ من لَمْ يَقْبَل نُبُّوة أحدٍ من الأنْبِيَاء ، لَزِمَهُ الكُفْرُ بجَميعِ الأنْبِيَاءِ .
فإن قيل : هَبْ أنه يَلْزَم{[11]} الكُفْرُ بكل الأنْبِيَاءِ ، ولكن لَيْسَ إذا توجَّه بَعْضُ الإلْزَامَاتِ على إنسانٍ ، لزِمَ أن يكُون ذَلِك الإنْسَان قَائِلاً به ، فإلْزَامُ الكُفْرِ غَيْر [ والتزام الكفر غير ]{[12]} فالقَوْمُ لمَّا لمْ يَلْتَزِمُوا ذلك ، فكَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهم بالكُفْرِ .
فالجواب : [ الإلْزَامُ ]{[13]} إذا كان خَفِيّاً بحَيْث يُحْتَاج فيه إلى فِكْرٍ وتأمُّلٍ ، كان الأمْرُ كما ذَكَرْتم ، أمَّا إذا كان جَلِيّاً وَاضِحاً ، لم يَبْقَ بَيْن الإلْزَامِ والالْتِزَام فَرْقٌ .
الوجه الثاني : هو أنّ قَبُولَ البَعْضِ دون الكُلِّ إن كان لِطَلَبِ الرِّيَاسَة ، كان ذلك في الحقيقة كُفْراً بكل الأنبياء [ عليهم السلام ]{[14]} .
{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } [ " وأعتدنا " أي : هَيَّأنَا ]{[15]} { لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.