اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (151)

قوله : " حَقّاً " فيه أوجه :

أحدها : أنه مصدر مؤكِّد لمضْمُون الجُمْلَة [ قَبْلَه ]{[5]} ، فيَجِبُ إضْمَارُ عَامِلِه وتأخيرُه عن الجُمْلَة المؤكِّد لَهَا ، والتقدير : أحُقُّ ذلك حَقاً ، وهكذا كُلُّ مَصْدَر مؤكِّدٍ لِغَيْره أو لِنَفْسِهِ .

قال بعضهم : انْتَصَبَ " حَقّاً " على مِثْلِ قولك : " زَيْدٌ أخُوك حَقّاً " ، تقديره : أخْبَرْتُك بهذا المَعْنَى إخْبَاراً حَقّاً .

والثاني : أنه حالٌ من قوله : " هُمُ الكَافِرُونَ " قال أبو البقاء{[6]} : أي : " كَافِرُون غير شَكٍّ " وهذا يشبه أن يكونَ تفسيراً للمصْدر المؤكد ، وقد طعن الواحديُّ على هذا التوجيه ؛ فقال : " الكُفْرُ لا يكُونُ حَقًّا بوجْهٍ من الوجوه " ، والجوابُ : أنَّ الحقَّ هنا ليس يرادُ به ما يقابلُ الباطلَ ، بل المرادُ به أنه ثابتٌ لا محالةَ ، وأنَّ كفرهم مقطوعٌ به .

الثالث : أنه نعتٌ لمصدر محذوف ، أي : الكافرون كُفْراً حَقًّا ، وهو أيضاً مصدر مؤكِّد ، ولكن الفرق بينه وبين الوجه الأول ، أنَّ هذا عاملُه مذكورٌ ، وهو اسمُ الفاعل ، وذاك عاملُه محذوف .

فصل

أي{[7]} : كانوا كَافِرين حَقّاً لوجْهَيْن :

الأول : أن الدَّليلَ الذي يدُلُّ على نُبُوَّة البَعْضِ ، ألزم{[8]} مِنْه القطع بأنَّه حَيْث حصلت المُعْجِزَة{[9]} حصلت النُّبُوَّة ، فإن جَوَّزْنَا في بَعْضِ المواضِع حُصُول المُعْجِز بدُون الصِّدْق ، تعذَّر{[10]} الاستدلال بالمُعْجِزِ على الصِّدْق ، وحينئذٍ يَلْزَم الكُفْرُ بِجَميعِ الأنْبِيَاءِ ، فَثَبت أنَّ من لَمْ يَقْبَل نُبُّوة أحدٍ من الأنْبِيَاء ، لَزِمَهُ الكُفْرُ بجَميعِ الأنْبِيَاءِ .

فإن قيل : هَبْ أنه يَلْزَم{[11]} الكُفْرُ بكل الأنْبِيَاءِ ، ولكن لَيْسَ إذا توجَّه بَعْضُ الإلْزَامَاتِ على إنسانٍ ، لزِمَ أن يكُون ذَلِك الإنْسَان قَائِلاً به ، فإلْزَامُ الكُفْرِ غَيْر [ والتزام الكفر غير ]{[12]} فالقَوْمُ لمَّا لمْ يَلْتَزِمُوا ذلك ، فكَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهم بالكُفْرِ .

فالجواب : [ الإلْزَامُ ]{[13]} إذا كان خَفِيّاً بحَيْث يُحْتَاج فيه إلى فِكْرٍ وتأمُّلٍ ، كان الأمْرُ كما ذَكَرْتم ، أمَّا إذا كان جَلِيّاً وَاضِحاً ، لم يَبْقَ بَيْن الإلْزَامِ والالْتِزَام فَرْقٌ .

الوجه الثاني : هو أنّ قَبُولَ البَعْضِ دون الكُلِّ إن كان لِطَلَبِ الرِّيَاسَة ، كان ذلك في الحقيقة كُفْراً بكل الأنبياء [ عليهم السلام ]{[14]} .

{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } [ " وأعتدنا " أي : هَيَّأنَا ]{[15]} { لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } .


[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.