قوله : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } [ في " فوقهم " : وجهان : أظهرهما أنه متعلق ب " رَفَعْنا " ، وأجاز أبو البقاء{[10245]} وجهاً ثانياً وهو أن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ لأنه حالٌ من الطور . و " بميثاقهم " متعلقٌ أيضاً بالرفع ، والباءُ للسببية ، قالوا : وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ تقديرُه : بنقض ميثاقهم ] .
[ و ] قال بَعْضُ المفَسِّرين{[10246]} : إنهم امْتَنَعُوا من قُبُول شَرِيعَة التَّوْرَاةِ ، ورفع الله الجَبَل فَوْقَهُم حَتَّى قَبِلُوا ، والمعنَى : ورفَعْنَا فَوْقَهُم الطُّورَ ؛ لأجْلِ أن يُعْطُوا المِيثَاقَ بقُبُول الدِّين .
وقال الزمخشريُّ : " بِمِيثَاقِهِمْ : بسبب ميثاقهم ؛ ليخافوا فلا ينقضُوه " وظاهر هذه العبارة : أنه لا يُحْتَاجُ إلى حذْفِ مضاف ، بَلْ أقول : لا يجُوزُ تقدير هذا المضافِ ؛ لأنه يقتضي أنهم نقضوا الميثاق ، فرَفَعَ اللَّهُ الطُّورَ عليهم ؛ عقوبةً على فعلِهِمُ النقضَ ، والقصةُ تقتضي أنَّهم هَمُّوا بنقضِ الميثاق ، فرفعَ اللَّهُ عليهم الطُور ، فخافُوا فلم يَنْقُضُوهُ ، [ وإن كانوا قد نَقَضُوه ] بعد ذلك ، وقد صَرَّحَ أبو البقاء{[10247]} بأنهم نقضوا الميثاقَ ، وأنه تعالى رفع الطُّور عقوبةً لهم فقال : " تقديرُه : بنَقْضِ ميثاقِهِمْ ، والمعنى : ورَفَعْنَا فوقَهُمُ الطُّور ؛ تخْويفاً لَهُمْ بسبب نقْضِهِم الميثاق " ، وفيه ذلك النظرُ المتقدِّم ، ولقائلٍ أن يقول : لمَّا هَمُّوا بنقْضه وقاربوه ، صحَّ أن يقال : رَفَعْنَا الطُّورَ فوقهم ؛ لنقضهم الميثاق ، أي : لمقاربتهم نقضَهُ ، لأنَّ ما قارب الشيء أعْطِيَ حكمَه ؛ فتصِحُّ عبارةُ مَنْ قدَّر مضافاً ؛ كأبي البقاء وغيره .
وقال بَعْضُ المُفَسِّرين{[10248]} : إنَّهُم أعْطوا المِيثَاقَ على أنهم إن هَمُّوا بالرُّجُوع عن الدِّينِ ، فاللَّهُ - تعالى - يُعَذِّبهم بأيِّ أنْواعِ العذابِ ، أراد : فَلَمَّا هَمُّوا بَتَرْكِ الدِّينِ ، أظَلَّ اللَّهُ الطُّورَ عَلَيْهِم . والميثاق مصدر مضاف لمفعوله ، وقد تقدَّم في البقرة الكلام على قوله { ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً } ، و " سُجَّداً " حالٌ من فاعل " ادْخُلُوا " .
قوله : " لاَ تَعْدُوا " قرأ الجمهور : " تَعْدُوا " بسكون العين ، وتخفيف الدال مِنْ عَدَا يَعْدُو ، كَغَزَا يَغْزُو ، والأصل : " تَعْدُوُوا " بواوين : الأولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعلين ، فاستثقلتِ الضمة على لام الكلمة ، فحُذِفَتْ ، فالتقى بِحَذْفِها ساكنان ، فحُذِفَ الأوَّل ، وهو الواو الأولى ، وبقيتْ واو الفاعلين ، فوزنه : تَفْعُوا ومعناه : لا تعْتَدُوا ولا تَظْلِمُوا باصْطِيَاد الحِيتانِ فيه .
قال الوَاحِدِي{[10249]} : يُقال : عَدَا عليه أشَدَّ العَدَاءِ [ والعَدْو ]{[10250]} والعُدْوَان ، أي : ظَلَمَه ، وجَاوَز الحَدَّ ؛ ومنه قوله : { فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 108 ] وقيل : { لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ } من العَدْوِ بمعْنَى الحُضْرِ ، والمُرَادُ به النَّهْي عن العَمَل والكَسْبِ يَوْم السَّبْتِ ؛ كأنه قِيل : اسْكُنُوا{[10251]} عَنِ العَمَلِ في هَذَا اليَوْم واقْعُدوا في مَنَازِلِكُم [ فأنا الرَزَّاق ] . وقرأ نافع{[10252]} بفتح العين وتشديد الدال ، إلا أن الرواة اختلفوا عن قالون عن نافع : فرَوَوْا عنه تارةً بسكون العين سكوناً محضاً ، وتارةً إخفاء فتحة العين ، فأما قراءة نافع ، فأصلها : تَعْتَدُوا ، ويدلُّ على ذلك إجماعُهُمْ على : { اعْتَدَوْاْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ } [ البقرة : 65 ] كونه من الاعتداء ، وهو افتعالٌ من العدوان ، فأُريد إدغامُ تاء الافتعال في الدالِ ، فنُقِلتْ حركتُها إلى العين ، وقُلبت دالاً وأدغمت . وهذه قراءةٌ واضحةٌ ، وأما ما يُروَى عن قالون من السكُون المحْضِ ، فشيءٌ لا يراه النحْويُّون ؛ لأنه جَمْعٌ بين ساكنينِ على غير حَدِّهما ، وأمَّا الاختلاسُ فهو قريب للإتيان بحركة ما ، وإن كانت خفيَّةً ، إلا أنَّ الفتحة ضعيفةٌ في نَفْسِهَا ، فلا ينبغي أن تُخْفَى لِتُزادَ ضعفاً ؛ ولذلك لم يُجز القراءُ رَوْمَهَا وقْفاً لضعفِها ، وقرأ{[10253]} الأعمش : " تَعْتَدُوا " بالأصل الذي أدغَمُه نافع .
ثم قال { وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } قال القفال{[10254]} : المِيثَاقُ الغَلِيظُ : هو العَهْدُ المؤكَّدُ غَايَة التَّوْكِيدِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.