اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

لما ذكر - تعالى - أنْوَاع التَّكَالِيف من أوَّل السُّورة إلى هنا ، ذكر أقَاصيص المُتقدِّمين ؛ لأن الانْتِقَال من نَوْع من العُلُومِ إلى نَوع آخر كأنه يُنَشِّط الخَاطِر ، وقد تقدَّم الكلام في قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ } [ البقرة : 258 ] والمراد ب { الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } هم اليَهُود " .

وقال ابن عبَّاس : نزلت هذه الآيةُ في حَبْرٍ{[8100]} من أحْبار{[8101]} اليَهُود ، كانا يأتِيَان رَأس المُنَافِقِين عبد الله أبيّ [ ابن سَلُول ] ورَهْطه ، يُثَبِّطُونهُم{[8102]} عن الإسْلاَم{[8103]} .

وعن ابن عباس أيضاً ؛ قال : نزلَتْ في رفاعة بن زَيْدٍ ، ومالك بن دخشم ، كَانَا إذا تَكَلم رسُول الله صلى الله عليه وسلم لوياً{[8104]} لِسَانَهُمَا ، وعَابَاهُ ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية{[8105]} .

قوله : " من الكتاب " فيه وَجْهَان :

أحدهما : أنه مُتَعلِّق بمحْذُوفٍ ، إذ هو صِفَة ل " نصيباً " فهو في مَحَلِّ نصبٍ .

والثاني : متعلَِّق ب " أوتوا " أي أُوتوا من الكِتاب نصيباً ، و " يشترون " : حالٌ ، وفي صاحبها وَجْهَان :

أحدهما : أنه واو " [ أوتُوا ] " {[8106]} .

والثاني : أنه المَوْصُول وهي على هذا حَالٌ مُقَدرة ، والمُشْتَري به مَحْذُوف ، أي : بالهُدَى ، كما صرح به في مَوَاضِع ، ومعنى " يشترون " : يستبدِلون الضَّلالة بالهُدَى .

قوله : " ويريدون " عطف على " يشترون " .

وقال النَّخْعِي : { وتريدون أن تضلوا } بتاء الخطاب ، والمَعْنَى : تُرِيدُون أيها المؤمنون أن تدَّعُوا الصَّواب ، وقرأ الحسن{[8107]} : " أن تِضُلُّوا " من أضل . وقرئ{[8108]} " أن تُضَلُّوا السبيل " بضم التَّاءِ وفتح الضَّادِ على ما لَمْ يُسَمّ فَاعِلُه ، والسَّبيل مفعول به{[8109]} ؛ كقولك : أخطأ الطَّريقَ ، وليس بِظَرْف ، وقيل : يتعدى ب " عن " ؛ تقول : ضلَلْت السَّبيل ، وعن السَّبيل .


[8100]:في أ: خبر.
[8101]:في أ: أخبار.
[8102]:في أ: يبسطوهم.
[8103]:ذكره الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (10/93) عن ابن عباس.
[8104]:في ب: لووا.
[8105]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/427) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/300) وزاد نسبته لابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "الدلائل". والبغوي 1/437.
[8106]:سقط في أ.
[8107]:ينظر: الدر المصون 2/371.
[8108]:قرأ بها الحسن، كما في القرطبي 5/242. وانظر: الدر المصون 2/371.
[8109]:في أ: مفعوله.