اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقال قتادة : نزلت في ناسٍ من أعراب بني تميم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد فإن مَدْحَنا زَيْنٌ وذمّنا شينٌ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول «إنما ذلكم اللهُ الذي مَدْحُهَ زَيْنٌ وذَمُّهُ شَيْنٌ » ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرُك ونفاخرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بُعِثْتُ ، ولا بالفخر{[51999]} أُمِرْتُ ، ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضلَه وفضل قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شِمَاس ، وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم : «قُمْ فَأَجِبْهُ » فأجَابَهُ . وقام شاعرهم فذكر أبياتاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسَّان بن ثاتب : أجبهُ فأجابهُ ، فقام الأقرع بن حابس فقال : إن محمداً المؤتَى له ، تكلم خطيبنا ، فكان خطبيهم أحسنَ قولاً ، وتكلم شاعرُنا فكان شاعرُهم أشعرَ وأحسنَ قولاً ، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما يضرك ما كان من قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاهم فأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللّغَظُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي . . . } [ الحجرات : 2 ] الآيات الأربع إلى قوله : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به ، وإن يكُنْ ملكاً نعيش في جَنَاحِهِ فجاءوا فجعلوا ينادون من وراء الحجرات : يا محمدُ يا محمد ، فأنزل الله : { إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ . . . } الآية{[52000]} .

/خ5

قوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ } تقدم مثله . وجعله الزمخشري فاعلاً بفعل مقدر أي ولو ثبت صَبْرُهُم . وجعل اسم أن{[52001]} ضميراً عائداً على هذا الفاعل{[52002]} . وقد تقدم أن مذهب سِيبَويْهِ أنها في محل رفع بالابتداء وحينئذ يكون اسم «أَنَّ » ضميراً عائداً على صَبْرهم المفهوم من الفعل .

قوله : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يحتمل أمرين :

أحدهما : غفور لسوء صنعهم في التعجيل .

وثانيهما : لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير يغفر الله لهم سيئاتهم .

ويحتمل أن يكون ذلك حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصلح . وقوله : { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } كالصبر لهم{[52003]} .


[51999]:في ب بالفخار.
[52000]:انظر هذه الأسباب في النزول تفسيري الخازن والبغوي لباب التأويل ومعالم التنزيل 6/ من 220 إلى 222، وانظر أيضا القرطبي 16/309 و310 وقد ذكر الإمام أبو حيان والقرطبي في تفسيريهما أبياتا شعرية من تلك المناظرة انظر البحر 8/107 والقرطبي 16/305.
[52001]:في النسختين "كان" والأصح ما أثبت أعلى فهو من قوله "ولو أنهم".
[52002]:قال: في موضع الرفع على الفاعلية لأن المعنى ولو ثبت صبرهم.
[52003]:الرازي 28/118.