اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (17)

قوله ( تعالى{[52206]} ) : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } يجوز في قوله : أَنْ أَسْلَمُوا وجهان :

أحدهما : أنه مفعول به لأنّه ضمن يمنون معنى يُعِيدُونَ كأنه قيل : يعيدون عليك إسلامهم مانِّين به عليك ولهذا صرح بالمفعول به في قوله : { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } أي لا تُعيدوا عليَّ إسلامكم . كذا استدل أبو حَيَّان{[52207]} .

وفيه نظر ، إذ لقائل أن يقول : لا نسلم انتصاب «إِسْلاَمَكُمْ » على المفعول به ، بل يجوز فيه المفعول من أجله كما يجوز في محل «أَنْ أَسْلَمُوا » وهو الوجه الثاني{[52208]} فيه أي يمنون عليك لأجل أن أَسْلَمُوا فكذلك في قوله : { لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } ، وشروط النصب موجودة والمفعول له متى كان مضافاً اسْتَوَى جرّه بالحرف ونصبه .

قوله : { بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ } يعني لا مِنَّةَ لَكُمْ عَلَيْنَا أَصْلاً ، بل المنة عليكم حيث بينْتُ لكم الطرق المستقيم .

قوله : { أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } أعرابه كقوله : «أن أَسْلَمُوا »{[52209]} . وقرأ زيد بن علي : إِذْ هَدَاكُمْ{[52210]} بِإِذْ مَكَانَ «أنْ » وهي في مصحف عبد الله كذلك . وهي تفيد التعليل ، وجواب الشرط مقدر أي فَهُوَ المَانُّ عليكم لا أَنتم{[52211]} عَلَيْه وعَلَيَّ .

فإن قيل : كيف مَنَّ عليهم بالهداية إلى الإيمان مع أنه تبين أنهم لم يؤمنوا ؟ .

فالجواب من ثلاث أوجه :

أحدها : أنه تعالى لم يقل : بل الله يمن عليكم أن رزقكم الإيمانَ بلْ قال : أنْ هَدَاكُمْ للإِيمان .

وثانيها : أنَّ إرسال الرسول بالآيات البينات هدايةٌ .

ثالثها : أنه تعالى يمنُّ عليهم بما زعموا فكأنه قال : أنتم قلتم آمنا فذلك نعمة في حقكم حيث تخلصتم من النار فقال : هداكم في زعمكم ، و لهذا قال تعالى : { إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .

ثم قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ . . . } الآية ؛ وهذا تقرير لأول السورة حيث قال : «إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ » ، فأخبر ههنا عن علمه وبصره{[52212]} .


[52206]:زيادة من أ الأصل.
[52207]:قال: "فأن أسلموا في موضع المفعول ولذلك تعدى إليه في قوله: قل لا تمنوا علي إسلامكم".
[52208]:وقد ذكره أيضا أبو حيان قال: "ويجوز أن يكون": "أن أسلموا" مفعولا من أجله أي يتفضلون عليكم بإسلامهم أن هواكم".
[52209]:من المفعول به والمفعول لأجله.
[52210]:وهي شاذة وانظر البحر المحيط 8/118 والكشاف 3/572. ومختصر ابن خالويه 144.
[52211]:كذا قدر أبو حيان في بحره المحيط السابق. وقدر الزمخشري: "إن كنتم صادقين في ادعائكم بالإيمان فلله المنة عليكم".وانظر الكشاف 3/572.
[52212]:بالمعنى من تفسير الإمام 28/144.