اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ} (19)

قوله تعالى : { مَرَجَ البحرين } أي : خلَّى وأرسل وأهمل ، يقال : مرج الناس السلطان ، أي : أهملهم ، وأصل المَرْج الإهمال كما تمرج الدَّابة في المَرْعى ويقال : مرج خلط .

وقال الأخفش : ويقول قوم : أمرج البحرين مثل «مرج » فيكون «فَعَلَ وأفْعَلَ » بمعنى{[54401]} .

و«البَحْرين » : قال ابن عباس رضي الله عنهما : بحر السماء ، وبحر الأرض{[54402]} .

قال سعيد بن جبير : يلتقيان في كل عام{[54403]} .

وقيل : يلتقي طرفاهما .

وقال الحسن وقتادة : بحر «فارس » و«الروم »{[54404]} .

وقال ابن جريج : البحر المالح ، والأنهار العذبة .

وقيل : بحر المشرق ، وبحر المغرب يلتقي طرفاهما .

وقيل : بحر اللؤلؤ والمرجان .

«بينهما برزخ » حاجز .

قوله : «يلتقيان » حال من «البَحريْنِ » وهي قريبة من الحال المقدرة ، ويجوز بتجوّز أن تكون مقارنة .

و«بَينهُمَا بَرزخٌ » يجوز أن تكون جملة مستأنفة ، وأن تكون حالاً ، وأن يكون الظَّرف وحده هو الحال ، و«البَرْزَخُ » فاعل به ، وهو أحسن لقربه من المفرد .

وفي صاحب الحال وجهان :

أحدهما : هو البحرين .

والثاني : هو فاعل «يَلْتقيان » .

و«لا يَبْغِيَان » حال أخرى كالتي قبلها ، أي : مرجهُمَا غير باغيين أو يلتقيان غير باغِيين ، أو بينهما برزخٌ في حال عدم بغيهما ، وهذه الحال في قوة التعليل ، إذ المعنى : «لئلاَّ يَبْغِيانِ » .

وقد تمحّل بعضهم ، وقال : أصل ذلك لئلا يبغيا ثم حذف حرف العلة ، وهو مطّرد مع «أن » و«إن » ، ثم حذفت «أن » أيضاً ، وهو حذف مطرد ، كقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } [ الروم : 24 ] ، فلما حذفت «أن » ارتفع الفعل ، وهذا غير ممنوع ، إلا أنه تكرر فيه الحذف .

وله أن يقول : قد جاء الحذف أكثر من ذلك فيما هو أخفى من هذا ، كما سيأتي في قوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } [ الواقعة : 82 ] .

فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها

لما ذكر الشمس والقمر ، وهما يجريان في الفلك كما يجري الفلك في البحر ، كقوله : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] ، فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين ، أو لأن المشرقين والمغربين يكونان في البر والبحر ، فذكر البحر بعد ذكر البر ؛ لانحصار البر والبحر بين المشرق والغرب .


[54401]:ينظر القرطبي 17/106.
[54402]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/586) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/194) وعزاه للطبري.
[54403]:جاء عن ابن عباس أيضا وانظر التعليق السابق.
[54404]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/586) عن الحسن وقتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/194) عن الحسن وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر. وذكره أيضا عن قتادة وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.