اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} (37)

قوله تعالى : { فَإِذَا انشقت السماء } جوابه مقدر ، أي : رأيت هولاً عظيماً ، أو كان ما كان .

وقوله : «فَكَانَت ورْدَةً » أي : مثل وردة .

فقيل : هي الزهرة المعروفة التي تشمّ شبهها بها في الحمرة .

وأنشد قول الشاعر : [ الطويل ]

فَلَوْ كُنْتُ وَرْداً لونُهُ لَعشِقْتَنِي *** ولكِنَّ ربِّي شَانَنِي بِسَوَادِيَا{[54495]}

وقيل : هي من لون الفَرَس الورد يكون في الربيع إلى الصُّفرة ، وفي الشتاء إلى الحُمْرة ، وفي شدة البرد إلى الغبرة ، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخَيل{[54496]} .

وقرأ عمرو بن عبيد{[54497]} : «وَرْدَةٌ » بالرفع .

قال الزمخشري{[54498]} : فحصلت سماء وردة ، وهو من الكلام الذي يسمى التَّجريد ؛ كقوله : [ الكامل ]

فَلَئِنْ بَقِيتُ لأرحلنَّ بِغَزْوَةٍ *** تَحْوِي الغَنائمَ أو يَمُوتَ كَرِيمُ{[54499]}

قوله : «كالدِّهان » يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون نعتاً ل «وَرْدَة » ، وأن يكون حالاً من اسم «كانت » .

وفي «الدِّهَان » قولان :

أنه جمع «دُهْن » نحو : قُرْط وقِرَاط ، ورُمْح ورِمَاح ، وهو في معنى قوله تعالى : { تَكُونُ السماء كالمهل } [ المعارج : 8 ] وهو : دردي الزيت .

والثاني : أنه اسم مفرد .

فقال الزمخشري : «اسم ما يدهن به كالحزام والإدام » ؛ وأنشد : [ الطويل ]

كأنَّهُمَا مَزادَتَا مُتَعَجِّلٍ *** فريَّان لمَّا تُدهَنَا بدِهَانِ{[54500]}

وقال غيره : هو الأديم الأحمر ؛ وأنشد للأعشى : [ الوافر ]

وأجْرَدَ مِنْ كِرامِ النَّخْلِ طَرْفٍ *** كأنَّ على شَواكِلِه دِهَانَا{[54501]}

أي : أديماً أحمر ، وهذا يحتمل أن يكون جمعاً ، ويؤيده ما أنشده منذر بن سعيد : [ الطويل ]

تَبِعْنَ الدِّهَانَ الحُمْرَ كُلَّ عَشِيَّةٍ *** بمَوْسمِ بَدْرٍ أو بِسُوقِ عُكَاظِ{[54502]}

فقوله : «الحمر » يحتمل أن يكون جمعاً ، وقد يقال : هو كقولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض ، إلاَّ أنه خلاف الأصل .

وقيل : شبهت بالدهان وهو الزيت لذوبها ودورانها .

وقيل : لبريقها .

فصل في معنى الآية

قال المفسرون : قوله تعالى : { فَإِذَا انشقت السماء } انصدعت يوم القيامة ، { فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان } .

قال مجاهد والضحاك ، وغيرهما : «الدهان » : الدهن{[54503]} ، والمعنى : صارت في صفاء الدّهن ، والدهان على هذا جمع دهن .

وقال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى تصير في حُمْرة الورد ، وجريان الدهن{[54504]} ، أي : تذوب مع جريان الدهن حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لرقّتها وذوبانها .

وقيل : الدهان : الجلد الأحمر الصرف . ذكره أبو عبيدة والفراء . أي : تصير السماء كالأديم لشدّة حر نار جهنم .

وعن ابن عباس : المعنى : فكانت كالفرس الورد في الربيع كميت أصفر ، وفي الشتاء كميت أحمر ، فإذا اشتد الشتاء كان كميتاً أغْبر .

وقال الفراء : أراد الفرس الوردة ، تكون في الربيع وردة إلى الصُّفرة ، فإذا اشتد البرد كانت وردة ؛ فإذا كان بعد ذلك كانت وردةً إلى الغبرة ، فشبه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل .

وقال الحسن : «كالدِّهان » أي : كصبّ الدهن ، فإنك إذا صببته ترى فيه ألواناً .

وقال زيد بن أسلم : المعنى : أنها تصير كعكر الزيت .

وقيل : المعنى أنها تمر وتجيء .

قال الزجاج : أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان .

وهذا قريب مما تقدم من أن الفرس الوردة تتغير ألوانها ، والورد أيضاً : يطلق على الأسد .

وقال قتادة : إنها اليوم خضراء ، وسيكون لها لون أحمر{[54505]} . حكاه الثعلبي .

قال المارودي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السَّماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة يرى لونها أزرق ، وشبهوا ذلك بعروق البدن ، وهي حمراء حمرة الدم ، وترى بالحائل زرقاء ، فإن كان هذا صحيحاً ، فإنَّ السماء لقربها من النَّواظر يوم القيامة ، وارتفاع الحواجز ترى حمراء ؛ لأنها أصل لونها . والله أعلم .


[54495]:قائل البيت هو سُحَيم عبد بني الحسحاس، وقيل: نصيب ينظر: سر صناعة الإعراب 1/203، والممتع لابن عصفور ص 410، واللسان (عشق)، والتاج 7/12 (عشق) وديوان سحيم ص 26 والبحر 8/193 والدر المصون 6/244.
[54496]:ينظر: البحر المحيط 8/193، 194، والدر المصون 6/244 والقرطبي 17/113.
[54497]:ينظر: الكشاف 4/450، والبحر المحيط 8/194، والدر المصون 6/244.
[54498]:ينظر: الكشاف 4/450.
[54499]:البيت لقتادة بن سلمة الحنفي. ينظر شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/22، ومعاهد التنصيص 1/253، والكشاف 4/48، وشرح شواهده ص 542، والبحر المحيط 8/194، والدر المصون 6/244.
[54500]:البيت لامرئ القيس ينظر ديوانه (167) واللسان (عجل)، والتاج 7/8 (عجل)، والكشاف 4/48 وشرح شواهده ص 559، والبحر المحيط 8/194 والدر المصون 6/244.
[54501]:رواية الديوان: وأجرد من فحول الخيل طرف *** .................... ينظر ديوانه (197)، وسمط اللآلي 2/875، واللسان (دهن)، والتاج 9/206، (دهن). والبحر 8/194 والدر المصون 6/244.
[54502]:ينظر البحر 8/184، والدر المصون 6/244.
[54503]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/599) عن مجاهد والضحاك وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/199) عن مجاهد وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر. وذكره أيضا عن الضحاك وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
[54504]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/272).
[54505]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/598) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/199) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وعبد بن حميد.