اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

قوله تعالى : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ } .

قرأ ابن كثير{[54476]} : بكسر الشين والباقون : بضمها ، وهما لغتان بمعنى واحد مثل : «صِوَار » من البقر ، و«صُوَار » وهو القطيع من البقر .

و«الشُّواظ » : قيل : اللَّهب معه دخان .

وقال ابن عباس وغيره : هو اللهب الخالص الذي لا دُخان له{[54477]} .

وقيل : اللَّهب الأحمر .

وقيل : هو الدخان الخارج من اللهب .

وقال رؤبة رحمه الله : [ الرجز ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ونَارَ حَرْبٍ تُسْعِرُ الشُّواظَا{[54478]}

وقال حسَّان رضي الله عنه : [ الوافر ]

هَجَوْتُكَ فاختضَعْتَ لَهَا بِذُلٍّ *** بِقَافِيةٍ تأجَّجُ كالشُّوَاظِ{[54479]}

وقال مجاهد : «الشُّواظ » : اللَّهب الأخضر المنقطع من النَّار{[54480]} .

وقال الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من دخان اللَّهب ليس بدخان الحطب{[54481]} {[54482]} .

وقاله سعيد بن جبير .

وقيل : «الشُّواظ » : النَّار والدخان جميعاً . قاله ابن عمر ، وحكاه الأخفش عن بعض العرب .

و«يُرْسَل » مبني للمفعول وهي قراءة العامة ، وزيد بن علي «نرسل » بالنون شُواظاً ونحاساً بالنصب ، و«من نار » صفة ل «شواظ » أو متعلق ب «يرسل » .

قوله : «ونُحَاس » .

قرأ ابن{[54483]} كثير وأبو عمرو : بجره عطفاً على «نار » .

والباقون : برفعه عطفاً على «شُواظ » .

و«النُّحَاس » : قيل : هو الصفر المعروف يذيبه الله - تعالى - ويعذبهم به .

وقيل : الدخان الذي لا لهب معه .

قال الخليل : وهو معروف في كلام العرب .

وأنشد للأعشى : [ المتقارب ]

يُضِيءُ كَضَوْءِ السِّرَاجِ السَّلِي *** طِ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ فيهِ نُحَاسَا{[54484]}

قال المهدوي : من قال : إن الشواظ النار والدخان جميعاً ، فالجر في «نُحَاس » على هذا بين .

فأما الجر على قول من قال : إن الشواظ اللَّهب الذي لا دخان فيه فبعيد لا يسوغ إلا على تقدير حذف موصوف كأنه قال : «يرسل عليكما شواظ من نار ، وشيء من نحاس » ف «شيء » معطوف على شواظ ، و«من نحاس » جملة هي صفة لشيء ، وحذف «شيء » وحذفت «من » لتقدم ذكرها في «من نار » كما حذفت «على » من قولهم : على من تنزل أنزل أي : وعليه ، فيكون «نُحَاس » على هذا مجروراً ب «من » المحذوفة ، وتضم نونه وتكسر ، وبالكسر قرأ مجاهد{[54485]} ، وطلحة والكلبي ، ونقله القرطبي عن حميد أيضاً ، وعكرمة ، وأبي العالية{[54486]} .

وقرأ{[54487]} ابن جندب : «ونَحْسٌ » ، كقوله تعالى : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } [ القمر : 19 ] وابن أبي{[54488]} بكرة ، وابن أبي إسحاق : «ونَحُسُّ » بضم الحاء والسين مشددة من قوله تعالى : { إِذْ تَحُسُّونَهُم } [ آل عمران : 152 ] أي : ونقتل بالعذاب ، وقرأ ابن أبي{[54489]} إسحاق أيضاً : «ونَحس » بضم الحاء وفتحها وكسرها وجر السين ، والحسن والقاضي{[54490]} : «ونُحُسٍ » بضمتين وجر السين .

وتقدمت قرأة زيد : «ونُحَاساً »{[54491]} بالنَّصْب لعطفه على «شُواظاً » في قراءته .

و«النِّحاس » أيضاً بالكسر : الطبيعة والأصل .

يقال : فلان كريم النحاس و«النُّحاس » أيضاً بالضم ، أي : كريم النِّجار{[54492]} .

قال ابن مسعود : النحاس : المهل{[54493]} وقال الضحاك : هو دُرْديّ الزَّيت المغلي{[54494]} .

وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة .

قوله تعالى : { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } أي : لا ينصر بعضكم بعضاً ، يعني الجن والإنس .

وثنّى الضمير في «عَلَيْكُمَا » ؛ لأن المراد النوعان ، وجمع في قوله : «إن اسْتَطعْتُمْ » ؛ لأنه خطاب للمعشر ، وكذا قوله تعالى : { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } خطاب للحاضرين ، وهم نوعان .


[54476]:ينظر: السبعة 620، والحجة 6/249، وإعراب القراءات 2/337، وحجة القراءات 693، والعنوان 184، وشرح الطيبة 6/32، وشرح شعلة 593، وإتحاف 2/511.
[54477]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/596) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/198) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[54478]:قبله: إن لهم من وقعنا أقياظا. ينظر: مجاز القرآن 2/244، والطبري 27/81، ومجمع البيان 9/309، واللسان (شوظ)، والقرطبي 17/112 والدر المصون 6/243.
[54479]:رواية الديوان هي: مجللة تعممه شناراً *** مضرمة تأجّج كالشواظ ينظر ديوانه 148، والقرطبي 17/112، والدر المصون 6/243.
[54480]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/596) عن مجاهد.
[54481]:ينظر المصدر السابق.
[54482]:ينظر: البحر المحيط 8/193، والدر المصون 6/243.
[54483]:ينظر: السبعة 261، والحجة 6/250، وإعراب القراءات 2/339، وحجة القراءات 693، والعنوان 184، وشرح شعلة 594، وشرح الطيبة 6/32، وإتحاف 2/511.
[54484]:البيت ليس في ديوان الأعشى، وإنما هو للنابغة الجعدي. ينظر ديوانه (81)، وغريب القرآن لابن قتيبة (438)، ومعاني الفراء 3/137، ومجاز القرآن 2/245، والاقتضاب ص 407، واللسان (سلط)، والتاج (سلط) ومجمع البيان 9/308، والكشاف 4/47، وشرح شواهده ص 407، والقرطبي 17/112، والدر المصون 6/243.
[54485]:ينظر: المحرر الوجيز 5/231، والبحر المحيط 8/193، والدر المصون 6/243.
[54486]:ينظر: القرطبي 17/112.
[54487]:ينظر: المحرر الوجيز 5/231، والبحر المحيط 8/193، والدر المصون 6/243.
[54488]:ينظر السابق.
[54489]:ينظر: البحر المحيط 8/193، والدر المصون 6/243.
[54490]:السابق.
[54491]:ينظر: الدر المصون 6/244.
[54492]:ينظر: القرطبي 17/112.
[54493]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/272).
[54494]:ينظر المصدر السابق.