اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (19)

قوله تعالى : { استحوذ } جاء به على الأصل ، وهو فصيح استعمالاً ، وإن شذ قياساً{[55790]} .

وقد أخرجه عمر - رضي الله عنه - على القياس ، فقرأ{[55791]} : «اسْتَحَاذَ » ك «استبان » . وتقدم هذه المادة في «النساء » في قوله تعالى : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 141 ] .

قال الزجاج{[55792]} : «اسْتَحْوَذَ » في اللغة استولى ، يقال : حذت الإبل ، إذا استوليت عليها وجمعتها .

وقال المبرد : «استحوذ على الشيء : حواه وأحاط به » .

قيل{[55793]} : المعنى غلب عليهم الشيطان بِوسْوستِهِ في الدنيا .

وقيل : قوي عليهم فأنساهم ذكر الله ، أي : أوامره في العمل بطاعته .

وقيل : زواجره في النهي عن معصيته ، والنِّسيان قد يكون بمعنى الغَفْلة ، ويكون بمعنى الترك ، والوجهان محتملان هاهنا ، { أولئك حِزْبُ الشيطان } : طائفته ورهطُه ، { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخَاسِرُونَ } في بيعهم ؛ لأنهم باعوا الجنة بجهنم ، وباعوا الهدى بالضلالة .

فصل فيمن استدل بالآية على خلق الأعمال :

احتجّ القاضي{[55794]} بهذه الآية في خلق الأعمال من وجهين :

الأول : أن ذلك النسيان لو حصل بخلق الله - تعالى - لكان إضافتها إلى الشيطان كذباً .

الثاني : لو حصل ذلك بخلق الله لكانوا كالمؤمنين في كونهم حزب الله لا حزب الشيطان .


[55790]:ينظر: الدر المصون 6/290.
[55791]:ينظر: المحرر الوجيز 5/281، والبحر المحيط 8/237، والدر المصون 6/290.
[55792]:ينظر: معاني القرآن 5/140.
[55793]:ينظر: القرطبي 17/198.
[55794]:ينظر: الفخر الرازي 29/239.