اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحۡلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (18)

قوله تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً } أي : لهم عذاب مهين يوم يبعثهم الله ، { فيحلفون له كما يحلفون لكم } اليوم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يحلفون لله - تعالى - يوم القيامة كذباً كما حلفوا لأوليائه في الدنيا ، وهو قولهم : { والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }{[55784]} [ الأنعام : 23 ] { ويحسبون أنهم على شيء } ، بإنكارهم وحلفهم . قال ابن زيد : ظنوا أنه ينفعهم في الآخرة{[55785]} . وقيل : يحسبون في الدنيا أنهم على شيء ؛ لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار ، والأول أظهر .

والمعنى{[55786]} : أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنّوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ }[ الأنعام : 28 ] .

قال القاضي والجُبَّائي{[55787]} : إن أهل الآخرة لا يكذبون ، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة : إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا ، وعلى هذا الوجه لا يكون الحلف كذباً ، وقوله تعالى : { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون } أي : في الدنيا . قال ابن الخطيب : «وتفسير هذه الآية على هذا الوجه يقتضي ركاكة عظيمة في النَّظْم » .

روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ القِيَامَةِ : أيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ تعالى ؟ فَتقُومُ القدريَّةُ مُسْودَّةً وجُوهُهُمْ ، مُزْرَقَّةً أعْيُنُهُمْ ، مَائِلٌ شِدْقُهُمْ يَسِيْلُ لُعَابهُم ، فيقُولُونَ : واللَّهِ ما عَبَدْنَا مِنْ دُونِكَ شَمْساً ولا قَمَراً ولا صَنَماً ، ولا اتَّخَذْنَا مِنْ دُونِكَ إلهاً »{[55788]} .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : صدقوا والله ، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا : { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون } ، هم والله القدرية ثلاثاً{[55789]} .


[55784]:ذكره القرطبي (17/198).
[55785]:ينظر المصدر السابق.
[55786]:ينظر: الفخر الرازي 29/239.
[55787]:ينظر المصدر السابق.
[55788]:ينظر القرطبي (17/198).
[55789]:ينظر المصدر السابق.