قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم } ، قال قتادة : هم المنافقون تولّوا اليهود{[55771]} .
وقال السدي ومقاتل : هم اليهود . { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ }{[55772]} يعني : المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاء ، ولا من اليهود والكافرين ، كما قال جل ذكره : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء } [ النساء : 143 ] .
{ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، قال السدي ومقاتل رضي الله عنهما : نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وعبد الله بن نبتل المنافقين ، كان أحدهما يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُجْرة من حُجَره ، إذ قال : «يَدْخُلُ الآنَ عَليْكُم رجُلٌ قلبهُ قَلْبُ جبَّارٍ ، وينْظرُ بِعَيْني شَيْطانٍ » ، فدخل عبد الله بن نبتل ، وكان أزرق ، أسمر قصيراً ، خفيف اللحية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «علاَمَ تَشْتُمنِي أنْتَ وأصْحَابُكَ » ؟ فحلف بالله ما فعل ، وجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما شتموه ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية فقال عز وجل : { وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كذبة{[55773]} .
قال ابن الخطيب{[55774]} رحمه الله : والمراد من هذا الكذب ، إما ادِّعاؤهم كونهم مسلمين ، وإما أنهم كانوا يسبُّون الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم ويكيدون المسلمين ، وإذا قيل : إنكم فعلتم ذلك خافوا على أنفسهم من القتل ، فيحلفون أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه ، فهذا هو الكذب الذي يحلفون عليه ، وهذه الآية تدلّ على فساد قول الجاحظ : إن الكذب هو الخبرُ المخالف لاعتقاد المخبر .
قوله : { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } يجوز في هذه الجملة ثلاثة أوجه{[55775]} :
أحدها : أنها مستأنفة ، لا موضع لها من الإعراب ، أخبر عنهم بأنهم ليسوا من المؤمنين الخُلَّص ، بل كقوله تعالى : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إلى هؤلاء } [ النساء : 143 ] فالضمير في «ما هم » عائد على { الذين تَوَلَّوْاْ } ، وهم المنافقون ، وفي «مِنْهُمْ » عائد على اليهود ، وهم الكافرون الخلص .
والثاني : أنها حالٌ من فاعل «تولوا » والمعنى على ما تقدم أيضاً .
والثالث : أنها صفة ثانية ل «قوماً » فعلى هذا يكون الضمير في «ما هم » عائداً على «قوماً » وهم اليهود ، والضمير في «منهم » عائد على «الذين تولّوا » يعني اليهود ليسوا منكم أيها المؤمنون ، ولا من المنافقين ، ومع ذلك تولاَّهم المنافقون . قاله ابن عطية{[55776]} .
إلا أن فيه تنافر الضمائر ، فالضمير في «وَيَحْلِفُونَ » عائد على «الذين تولّوا » فعلى الوجهين الأولين تتحد الضمائر لعودها على «الَّذيْنَ تولّوا » وعلى الثالث : تختلف كما عرفت .
وقوله : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } جملة حالية ، أي : يعلمون أنه كذب ، فيمينهم يمين غَمُوس ولا عُذر لهم فيها{[55777]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.