قوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات } .
يعني المعجزات البينة ، والشرائع الظاهرة .
وقيل{[55472]} : الإخلاص لله - تعالى - في العبادة .
{ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب } أي الكتب التي أوحينا إليهم فيها خبر من كان قبلهم .
«والمِيزَانَ » ، قال ابن زيد : هو ما يُوزَنُ به ، ويتعامل{[55473]} .
روي أن جبريل - عليه السلام - نزل بالميزان فدفعه إلى نوح - عليه الصلاة والسلام - وقال : مُرْ قَوْمكَ يَزِنُوا بِهِ ليقُومَ النَّاسُ بالقِسْطِ{[55474]} ، أي : بالعدل في معاملاتهم .
قال القشيري : وإذا حملناه على الميزان المعروف ، فالمعنى أنزلنا الكتاب ووضعنا الميزان وهو من باب : [ الرجز ]
عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً{[55475]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويدل على هذا قوله تعالى : { والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان } [ الرحمن : 7 ] .
قوله : «مَعَهُمُ » حال مقدرة ، أي : صائراً معهم ، وإنما احتجنا إلى ذلك ؛ لأن الرسل لم ينزلوا ، ومقتضى الكلام أن يصحبوا الكتاب في النزول .
وأما الزمخشري فإنه فسّر الرسل بالملائكة الذين يجيئون بالوحي إلى الأنبياء ، فالمعية متحققة .
قوله : { وَأَنزَلْنَا الحديد } .
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ اللَّهَ تعَالَى أنْزلَ أرْبَعَ بركاتٍ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ : الحَديْدَ والمَاءَ والنَّارَ والثَّلْجَ »{[55476]} .
وروى عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل ثلاثة أشياء مع آدم - عليه الصلاة والسلام - الحَجَر الأسود وكان أشد بياضاً من الثَّلج ، وعصا موسى ، وكانت من آسِ الجنة ، طولها عشرة أذرع مع طول موسى ، والحديد أنزل معه ثلاثة أشياء : السَّنْدَان ، والكَلْبتَان ، والميْقَعَة ، وهي المِطْرقَة{[55477]} ذكره الماوردي .
وروى الثعلبي عن ابن عبَّاس قال : «نزل آدم من الجنَّة ، ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين : السَّندان ، والكلْبتَان ، والمِيْقعَة ، والمِطْرقَة والإبْرَة »{[55478]} .
وحكاه القشيري قال : والمِيْقعَة : [ ما يحدد به ، يقال : وقعت الحديدة أقعها ، أي حددتها .
وفي «الصحاح »{[55479]} ] :{[55480]} «المِيْقَعَة » الموضع الذي يألفه البازي فيقع عليه ، وخشبة القصَّار التي يدقّ عليها ، والمِطْرقَة ، والمِسَنّ الطويل .
وروي أن الحديد أنزل يوم الثلاثاء .
{ فيه بأس شديدٌ } أي : لإهراق الدِّماء ، ولذلك نهي عن الفَصْد والحِجَامة يوم الثلاثاء ؛ لأنه يوم جرى فيه الدَّم .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ فِي يَوْمِ الثلاثاءِ ساعةً لا يُرَاقُ فِيْهَا الدَّمُ »{[55481]} .
وقيل : «أنزلنا الحديد » أي : أنشأناه وخلقناه ، كقوله تعالى : { وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأنعام } [ الزمر : 6 ] وهذا قول الحسن . فيكون من الأرض غير منزل من السماء .
وقال أهل المعاني : أي أخرج الحديد من المعادن ، وعلمهم صنعته بوحيه .
وقوله : { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } جملة حالة من «الحديد » ، والمراد بالحديد يعني : السلاج والجُنَّة .
وقيل : إن فيه من خشية القتل خوفاً شديداً .
{ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } قال مجاهد : يعني جُنَّة{[55482]} .
وقيل : انتفاع النَّاس بالماعون : الحديد كالسِّكين والفأس ونحوه .
قوله : { وَلِيَعْلَمَ الله } . عطف على قوله : { لِيَقُومَ الناس } ، أي : لقد أرسلنا رسلنا ، وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس ، وليعلم الله .
وقال أبو حيان{[55483]} : علّة لإنزال الكتاب والميزان والحديد .
والأول أظهر ؛ لأن نصرة الله ورسوله مناسبة للإرسال .
قوله : «ورُسُلَهُ » عطف على مفعول «ينصره » ، أي : وينصر رسله .
قال أبو البقاء{[55484]} : ولا يجوز أن يكون معطوفاً على «من » لئلا يفصل به بين الجار ، وهو «بالغيب » ، وبين ما يتعلق به وهو «ينصر » .
قال شهاب الدين{[55485]} : وجعله العلة ما ذكره من الفصل بين الجار ، وبين ما يتعلق به يوهم أن معناه صحيح لولا هذا المانع ، وليس كذلك ؛ إذ يصير التقدير : وليعلم الله من ينصره بالغيب ، وليعلم رسله ، وهذا معنى لا يصح ألبتة ، فلا حاجة إلى ذكر ذلك ، و«بالغيب » حال وقد تقدم مثله أول «البقرة » .
فصل في معنى الآية{[55486]}
المعنى : وليعلم الله من ينصره ، أي : أنزل الحديد ليعلم من ينصره ، أو ليقوم الناس بالقسط ؛ أي : أرسلنا رسلنا .
{ وأنزلنا معهم الكتاب } وهذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق ، وليرى الله من ينصر دينه وينصر رسله بالغيب ، أي : وهم لا يرونهم .
{ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } قوي في أخذه عزيز أي : منيع غالب .
فصل في الرد على من قال بحدوث علم الله{[55487]}
احتج من قال بحدوث علم الله بقوله : «وليعلم الله » .
وأجيب : بأنه - تعالى - أراد بالعلم المعلوم ، فكأنه - تعالى - قال : ولتقع نُصْرة الرسول ممن ينصره .
فصل في الرد على الجبرية{[55488]}
قال الجبائي : قوله : { لِيَقُومَ الناس بالقسط } يدل على أنه - تعالى - أنزل الميزان والحديد ، ومراده من العباد أن يقوموا بالقسط ، وأن ينصروا رسله ، وإذا أراد هذا من الكل بطل قول المجبرة أنه أراد من بعضهم خلاف ذلك .
وأجيب : بأنه كيف يمكن أن يريد من الكُلِّ ذلك مع علمه بأن ضدّه موجود ، والجمع بين الضِّدين محال ، والمحال غير المراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.