اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ} (111)

اعلم : أنه -تبارك وتعالى- بيَّن في هذه الآية الكَرِيمة تَفْصِيل ما ذَكَره مُجْمَلاً في قوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بيَّن أنَّه-تعالى- لو أعْطَاهُم ما طَلَبُوه من إنْزَال المَلائِكة حتَّى رأوهم عَيَاناً ، وحياء المَوْتَى حَتَّى كلَّمُوهُم ، وشَهِدُوا لك بالنُّبُوَّة كَمَأ سَألُوا ، بل زَاد في ذَلِك ما لا يَبْلُغُه اقْتِرَحُهم بأن يحشر عَلَيْهم كُلَّ شَيءْ قُبُلاً ، ما كانوا لِيُؤمِنُوا إلاَّ أنْ يَشَاء اللَّه .

قال ابن عبَّاسٍ : المُسْتَهْزِئون بالقُرآن العَظِيم كانوا خَمْسَة : الوَليد بن المُغيرَة المَخْزُومي ، والعَاص بن وَائِل السَّهْمِي ، والأسْوَد بن عَبْد يَغُوث الزُّهري ، والأسْوَد بن المُطَّلِب ، والحَارث بن حَنْظَلة ، ثُمَّ إنهم أتَوا لرسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورَهْط من أهْل مكَّة المُشَرَّفة ، وقالُوا له : أرنَا المَلائكة يَشْهَدُوا بأنَّك رسُول اللَّه ، أبو ابعث لَنَا بَعَضَ مَوْتَانَا حتَّى نَسْألهم أحَقٌّ ما تقُولُه أمْ باطل ، أو ائْتِنَا باللَّه والملائكة قبِيلاً ، أي : كَفيلاً بما تدَّعِيه ، فَنَزَلت هَذِه الآية الكَرِيمة{[14982]} .

وهذا يُشْكَل باتِّفَاقهم على أنَّ هذه السُّورة نزلت دَفْعَة وَاحِدة ، بل الَّذِي يَنْبَغِي أن يَكُون المَقْصُود منه : جواب ما ذَكَرَهُ بَعْضُهم ، وهو أنَّهُم أقسموا باللَّه جَهْد أيْمَانهم ، لَوْ جاءتهم آيَةٌ ليُؤمِنُنّ بها ، فذكر اللَّه- تبارك وتعالى- هذا الكلام بياناً لِكَونِهم كَاذِبين ، وأنَّه لا فَائِدة في إنْزالِ الآيَات ، وإضْهار المُعْجِزَات بعد المُعْجِزَات ، بل المُعْجِزة الوَاحِدة لا بُد منها لِيتَمَيَّز الصَّادق عن الكَاذِب ، فأمَّا الزيادة عليها ، فتحكم مَحْض لا حَاجَة إليْه ، وإلاَّ فَلَهُم أن يَطْلُبوا بعد ظُهُور المُعْجِزة الثَّانية ثالثة ، وبعد الثَّالثة رَابِعة ، ويَلْزم منه ألاَّ تَسْتَقِرَّ الحجة ، وأن لا يَنْتَهِي الأمْر إلى مقطع ومفصل ، وذلك يُوجِب سَدَّ باب النُّبُوات .

قوله : " قُبُلاً " قرأ{[14983]} نَافِع ، وابْن عَامِر : " قِبَلاً " هنا وفي الكَهْف بكسر القَافِ ، وفَتْح البَاء ، والكوفِيُّون هنا وفي الكَهْف بضمّها وأبو عمرو ، وابن كثير بضمّها هنا ، وكسر القاف ، وفتح الباء في الكهف ، وقرأ الحسن البَصْرِي ، وأبُو حَيْوة ، وأبُو رَجَاء بالضَّمِّ والسُّكُون .

وقرأ أبَيّ والأعْمَش " قَبِيلاً " بياء مُثَنَّاة من تَحْت بعد بَاءٍ موحَّدة مَكْسُورة ، وقرأ طَلْحَة بن مُصَرِّف : " قَبْلاً " بفتح القَافِ وسُكون البَاء .

فأما قِرَاءة نَافِع ، وابن عَامِر ففيها وجهان :

أحدهما : أنَّها بمعنى مُقَابَلَة ، أي : مُعَايَنَةً ومُشَاهَدَةً ، وانتِصَابُه على هذا الحَالِ قاله أبو عُبَيْدة{[14984]} ، والفرَّاء{[14985]} ، والزَّجَّاج{[14986]} ، ونقله الوَاحِدي أيضاً عن جَمِيع أهْل اللُّغة ، يُقَال : " لَقِيته قِبَلاً " أي عِيَاناً .

وقال ابن الأنْبَاري : " قال أبُو ذَرّ : قُلْت للنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنبيّاً كان آدم ؟ فقال : نعم ، كان نبيّاً كلَّمه الله قبلاً{[14987]} " وبذلك فسَّرها ابن عبَّاس ، وقتادة ، وابن زَيْد ، ولم يَحْكِ الزَّمَخْشَرِي غَيْره ، فهو مَصْدر في مَوْضَع الحَال كما تقدَّم .

والثاني : أنَّها بمعنى نَاحِية وجِهَة قاله المُبَرِّد ، وجماعة من أهل اللُّغَة كأبي زَيْد ، وانتصابه حينئذٍ على الظَّرْف ، كقولهم : " لي قِبَلُ فلان دَيْنُ " و " ما قِبَلك حَقُّ " ويقال : " لقِيْتُ فلاناً قِبَلا ، ومُقابلة ، وقُبُلاً ، وقُبَلاً وقَبْلِياً ، وقَبِيلاً " كله بِمَعْنَى واحد ، ذكر ذلك أبُو زيد ، وأتْبَعه بِكَلام طويل مُفيد فرحمه الله -تعالى- وجزاه اللَّه خيراً .

وأمَّا قِرَاءة البَاقِين هُنَا ففيها أوْجُه :

أحدهما : أن يكون " قُبُلاً " جمع قبِيل ، بمعنى : كَفِيل ؛ " كرغيف " و " رُغُف " ، و " قضيب " و " قُضُب " و " نَصِيب " و " نُصُب " .

وانْتَصَابه حالاً .

قال الفرَّاء{[14988]} والزَّجَّاج{[14989]} : جَمْع قبِيل بمعْنَى : كفيل أي : كَفِيلاً بِصِدْق محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام- ، ويقال : قَبَلْتُ الرَّجل أقْبَلُه قَبالة بفَتْح البَاء في الماضي والقاف في المَصْدَر ، أي : تكفَّلْت به ، والقَبِيل ، والكَفِيل ، والزَّعِيم ، والأذِين والضّمِين ، والحَمِيل ، بمعنى وَاحِد .

وإنما سُمِّيت الكَفَالة قَبَالة ؛ لأنَّها أوْكَد تَقَبُّل ، وباعْتِبَار معنى الكَفَالة سُمِّي العَهْد المَكْتوب : قَبالة .

وقال الفرَّاء{[14990]} في سُورة الأنعام : " قُبُلاً " جَمْع " قَبِيل " وهو " الكَفِيل " قال : وإنَّما اخْتَرت هنا أن يكُون القُبُل في معنى الكفالة ؛ لقولهم : { أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] يَضْمَنُون ذلك .

الثاني : أن يَكُون جَمْع قبِيل ، بِمَعْنى : جماعةً جماعةً ، أو صنْفاً صنفاً .

والمعنى : " وحَشَرْنا عَلَيْهم كلَّ شيء فوْجاً فوْجاً ، ونوْعاً نوْعاً من سَائِر المَخْلُوقات " .

الثالث : أن يكون " قُبُلاً " بِمَعْنى : قِبَلاً كالقِرَاءة الأولَى في أحد وجْهَيْهَا وهو المُواجَهة أي : مُواجَهَةً ومُعَايَنةً ، ومنه " آتِيكَ قُبُلاً لا دُبُراً " اي : آتِيك من قِبَل وَجْهِك ، وقال تعالى : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } [ يوسف : 26 ] وقُرئ{[14991]} : " لقبل عدتهن " [ الطلاق : 41 ] ، أي : لاسْتِقْبَالها ، وقال الفرَّاء{[14992]} : " وقد يكون قُبُلاً : " من قِبَل وُجُوهِهِم " .

وأمَّا الذي في سُورة الكَهْف : فإنه يَصِحُّ فيه مَعْنى المُواجهة ، والمُعَاينة ، والجماعة صنْفاً صنْفاً ، لأن المُراد بالعَذَاب : الجِنْس ، وسَيَأتي له مَزِيد بَيَان . و " قُبُلاً " نَصْب على الحَالِ- كما مَرَّ - من " كلِّ " ، وإن كان نكرة ؛ لِعُمُومه ، وإضافته ، وتقدَّم أنَّه في أحد أوْجُهِهِ يُنْصَبُ على الظَّرف عند المُبَرِّد .

وأمّا قراءة الحسن فمخفَّفَة من المَضْمُوم ، وقرأه أبَيُّ بالأصْل وهو المُفْرَدِ .

وأما قراءة طَلْحَة فهو ظَرْف مَقْطُوع عن الإضَافة ، مَعْنَاه : أو يَأتِيَ باللَّه والملائِكَة قَبْلَه ، ولكن كَانَ يَنْبَغِي أن يُبْنَى ؛ لأن الإضافة مُرادَة .

قوله : " مَا كَانُوا " جواب " لَو " وقد تقدَّم أنَّه إذا كَانَ مَنْفيّاً ، امتَنَعت اللاَّم .

وقال الحُوفِي : " التَّقْدِير لما كَانُوا حُذِفَت اللاَّم وهي مُرَادة " وهذا لَيْس بجيِّد ؛ لأن الجواب المَنْفِي ب " مَا " يَقِلُّ دُخُولها ، بل لا يَجُوز عند بَعْضِهم ، والمَنْفِي ب " لم " مُمْتَنِع ألْبَتَّة .

وهذه اللاَّم لا م الجُحُود جارَّة للمصْدَر المؤوّل من " أنْ " والمنْصُوب بِهَا ، وقد تقدَّم تَحْقِيقه - بعون الله تعالى - .

قوله : " إلا أنْ يشاء اللَّه " يجُوز أن يكُون مُتَّصِلاً ، أي : ما كانُوا لِيُؤمِنُوا في سَائرِ الأحْوال إلاَّ في حَالِ مَشِيئة اللَّه ، أو في سَائرِ الأزْمَان إلا في زَمَان مَشِيئَتِه .

وقيل : إنه اسْتِثْنَاء من عِلَّة عامَّة ، أي : " ما كانوا لِيُؤمِنُوا لِشَيء من الأشْيَاء إلاَّ لمشيئة الله تعالى " .

والثاني : أن يكُون مُنْقَطعاً ، نقل ذلك الحُوفِيُّ وأبُو البَقَاء ، واسْتَبْعَده أبو حيَّان .

فصل في معنى الآية ودحض شبه المعتزلة

معنى الآية الكَريمة : أنه -تعالى- لو أظْهَر جميع تِلْك الأشْيَاء العَجِيبَة لِهَؤلاء الكُفَّار ؛ فإنَّهم لا يُؤمِنُون إلا أن يَشَاء اللَّه إيمانهم .

قال أهْل السُّنَّة{[14993]} : فلمَّا لَمْ يُؤمنوا دلَّ على أنَّه -تعالى- ما شَاء مِنْهُم الإيمان ، وهذا نَصُّ في المسْألة .

قالت المُعْتَزِلة{[14994]} : دل الدَّليل على أنَّه -تبارك وتعالى- أراد الإيمان من جَميع الكُفَّار ، وذكر الجُبَّائِيُّ الوُجُوه المَذْكُورة المَشْهُورة .

أولها : أنَّه - تبارك وتعالى- لو لم يُرِد منهم الإيمان ، لما أمَرَهُم ، ولم يَجِبْ عليهم .

وثانيها : لو أراد الكُفْر من الكَافِر ، لكان الكَافِر مُطِيعاً لله تعالى بِفِعْل الكُفْر ، لجاز أن يأمُرَ بِهِ .

وثالثها : لو جاز من الله أن يريد منهم الكُفْرَ ، لجاز أن يأمر به .

رابعها : لو جاز أن يريد منهم الكفر لجاز أنه يأمرنا بأن نريد منهم الكفر . قالوا : فثبت بهذه الدلائل أنه تعالى ما شاء إلاَّ الإيمان منهم وظاهر هذه الآية يقتضي أنه تعالى ما شاء الإيمان منهم والتناقض بين الدلائل مُمْتَنِع ، فوجب الجَمع ، وطَريقُه أن نقُول : إنه -تبارك وتعالى- شَاء من الكُلِّ الإيمان الذي يَفْعَلُونه على سَبيل الاخْتيار ، وأنَّه -تعالى- ما شاء منهم الإيمان على سبيل الإلجَاء والقَهْر ، وبهذا الطَّريق زال الإشْكَال ، وهذا كلامٌ ضعيفٌ من وُجُوه :

الأول : أن الإيمان الَّذِي سمَّوْه بالإيمان الاخْتِيَاري إن عَنَوْا به أنَّ قُدْرَته صَالِحَة إلى الإيمان والكُفْر على السَّويَّة ، ثمَّ إنه يَصْدر عَنْها الإيمان دُون الكُفْر لا لداعية مُرَجَّحَة ، ولإرادة مُمَيِّزة ، فَهَذَا قَوْل برجْحَان أحَد طَرَفي المُمْكن على الآخر ، لا لِمُرَجِّح وهو مُحَال ، وأيضاً : فبتقدير أنْ يَكُون ذلك مَعْقُولاً في الجُمْلَة ، إلاَّ أنَّ حُصُول ذَلِك الإيمان لا يَكُون منه ، بل يَكُون حَادِثاً لا لِسَبَب ولا مُؤثِّر أصْلاً ؛ أن الحَاصِل هُنَا ليس إلاَّ القُدْرَة ، وهي بالنِّسْبَة إلى الضِّدَّيْن على السَّويَّة ، ولم يَصْدر من هَذَا القدر تَخْصِيص لأحد الطَّرَفَيْن على الآخر بالوُقُوع والرُّجْحَانِ ، ثم إنّ أحد الطَّرفين قد حصل بنفْسِه ، فهذا لا يَكُون صَادراً منه ، بل يكون صادراً لا عن سَبَب ألْبَتَّةَ ، وذلك يُبْطِل القَوْل بالفِعْل ، والفَاعِل ، والتَّأثِير والمؤثِّر أصْلاً ، وذلك لا يَقوله عَاقِل ، وأمَّا إنْ كان هذا الذي سَمّوه بالإيمان الاخْتِيَاري ، هو أنَّ قُدْرَته وإن كانت صَالِحة للضِّدَّين ، إلاَّ أنَّه لا تَصِير مَصْدراً للإيمان ، إلاَّ إذا انْضَمَّ إلى تِلْك القُدْرَة حُصُول داعِيَة الإيمان ، فهذا قَوْلٌ بأن مَصْدر الإيمان هو مَجْمُوع القُدْرَة على الدَّاعي ، وذلك المَجْمُوع مُوجبٌ للإيمان ، فهذا عين ما يسمّونه بالجبر ، وأنتم تنكرونه ، فثبت أن الذي سمَّوه بالإيمان الاخْتِيَاريِّ لم يَحْصُل منه مَعْنى مَعْقُول مفهوم ، وهذا كلام في غاية القُوَّة .

الوجه الثاني : سلَّمنا أن الإيمان الاخْتِيَاري متميِّزٌ عن الإيمان الحَاصِل بتَكْوِين اللَّه -تعالى- ، إلاَّ أنا نَقُول قوله -تعالى- : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملاائكة } وكذا { مَّا كَانُواْ ليؤمنوا } مَعْنَاه : ما كانوا لِيُؤمِنُوا إيماناً اخْتِيَاريّاً ، بدلِيل أنَّ عند ظُهُور هذه الأشْيَاء لا يَبْعُد أن يُؤمِنُوا إيماناً على سَبِيل الإلْجَاء والقَهْر ، فَثَبت أن قوله : { مَّا كَانُواْ ليؤمنوا } على سَبِيل الاخْتِيَار ، ثُمَّ استَثْنَى عَنْه ، وقال : " إلاَّ أنْ يَشَاءَ اللَّه " والمُسْتَثْنَى يَجِبُ أن يَكُون من جِنْس المُسْتَثْنى مِنْه ، والإيمان الحَاصِل بالإلْجَاء والقَهْر ليس من جِنْس الإيمان الاخْتِيَاريّ ، فَثبت أنَّه لا يجُوز أنْ يَكُون المُرَاد منه الإيمان الاخْتِيَاريّ ؛ وحينئذٍ يتوجَّه دَلِيل أهل السُّنَّة ، وتَسْقُط أقوال المُعْتَزلَة .

فصل في دحض شبهة المعتزلة

قال الجُبَّائي{[14995]} : قوله -تبارك وتعالى- : { إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله } يدلُّ على حُدُوث المَشِيئَة ؛ لأنَّها لو كَانَت قَدِيمَة لَمْ يَجُز أنْ يُقَال ذَلِك ، كما لا يُقَال : لا يَذْهب زَيْد إلى البَصْرة ، إلاَّ أن يُوَحِّد الله ، وتَقْرِيره : أنَّا إذا قُلْنَا لا يَكُون كذا إلاَّ أنْ يَشَاء اللَّه ، فهذا يَقْتَضِي تَعْلِيق حُدُوث هذا الجَزَاء على حُصُول المَشيئة ، فلو كانت المشيئة قديمة ، لكان الشرط قديما ، ويلزم من حصول الشرط ، حصول المشروط ، فَيَلْزَم كَوْن الجَزَاءِ قَدِيماً ، والحس على أنَّه مُحْدَث ، فوجب كَوْن الشَّرْط حَادِثاً ، وإذا كان الشَّرْط هو المَشِيئَة لَزِم القَوْل بكون المَشِيئَة حَادِثَة .

والجواب أنَّ المَشِيئة وإن كانت قَدِيمة ، إلاَّ أنَّ تعلُّقَهَا بإحْدَاث ذَلِك المُحْدث في الحالِ ، إضاَفة حَادِثَة وهذا القَدْر يَكْفي لِصِحَّة هذا الكلام . ثمَّ قال -تعالى- : { ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } أي : يَجْهَلُون بأنّ الكُلَّ من قَضَاء اللَّه وبِقَضَائه وقدره .

وقالت{[14996]} المعتزلة : المُرَاد : أنَّهم جهلوا أنهم يبقون كُفَّاراً عِنْد ظُهُور الآيات الَّتِي طلبوها ، والمعجزات التي اقْتَرَحُوها وكان أكْثَرهُم يَظُنُّون ذلك .


[14982]:ذكره الفخر الرازي في "تفسيره" (13/123) عن ابن عباس.
[14983]:ينظر: الدر المصون 3/159، الحجة لأبي زرعة 267 السبعة 266، النشر 2/262 المشكل 1/265 التبيان 1/532 معاني القرآن للزجاج 2/311 للفراء 1/351 للأخفش 2/501 إعراب القراءات 1/167.
[14984]:ينظر: مجاز القرآن 1/204.
[14985]:ينظر: معاني القرآن 1/351.
[14986]:ينظر: معاني القرآن 2/311.
[14987]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/51) وعزاه لعبد بن حميد والآجري في الأربعين من حديث أبي ذر.
[14988]:ينظر: معاني القرآن 1/350.
[14989]:ينظر: معاني القرآن 2/311.
[14990]:ينظر: معاني القرآن 1/350.
[14991]:ينظر: الدر المصون 3/159، المحرر الوجيز 2/335.
[14992]:ينظر: معاني القرآن 1/350.
[14993]:ينظر: الرازي 13/123.
[14994]:ينظر: المصدر السابق.
[14995]:ينظر: الرازي 13/124.
[14996]:ينظر: الرازي 13/125.