قوله تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج } في نصبه ستة أوجه :
أحسنها : أن يكُون بدلاً من " حملوة وفَرْشاً " لولا ما نَقَله الزَّجَّاج من الإجماع المُتقدِّم ، ولكن ليس فيه أنَّ ذلك مَحْصُور في الإبل ، والقَوْل بالبدلِ هو قَوْل الزَّجَّاج{[15413]} والفرَّاء{[15414]} .
والثاني : أنه مَنْصُوب ب " كُلُوا " الذي قَبْلَه أي : كُلُوا ثمانية أزْوَاج ، ويكون قوله- تعالى- : { وَلاَ تَتَّبِعُوا } إلى آخره كالمُعَتَرِض بين الفِعْل ومَنْصُوبه ، وهو قول عَلِيّ بن سُلَيْمَان وقدَّرَه : كُلُوا لَحْم ثَمَانِية .
وقال أبو البَقَاء - رحمه الله{[15415]}- : هو مَنْصُوب ب " كُلُوا " تقديره : كلوا مِمَّا رزقَكُم اللَّه ثمانية أزْوَاج ، " ولا تسرفوا " مُعْتَرِض بَيْنَهُما .
قال شهاب الدَّين{[15416]} : صوابه أن يقول : " ولا تَتَّبعُوا " بدل " ولا تُسْرفُوا " ؛ لأن كُلُوا - الذي يَلِيه " ولا تُسْرِفوا " - ليس مُنْصَبًّا على هذا ؛ لأنه بعيد منه ، ولأن بَعْده ما هو أوْلَى منه بالعمل ، ويحتمل أن يَكُون الناسخ غَلَط عَلَيْه ، وإنما قال هو : " ولا تَتَّبِعُوا " ؛ ويدل على ذلك أنه قال : " تقديره : كُلُوا ممَّا رَزَقكُم اللَّه " و " كُلُوا " الأوَّل ليس بَعْدَه " ممَّا رَزقكُم " ، إنما هو بَعْد الثَّاني .
الثالث : أنه عَطْف على " جَنَّاتٍ " أي : أنْشَا جنات وأنشأ ثَمَانِية أزْوَاج ، ثم حُذِفَ الفِعْل وحَرْف العَطْفِ ؛ وهو مذهب الكسَائِيّ .
قال أبو البقاء{[15417]} : " وهو ضعيف " .
قال شهاب الدين{[15418]} : الأمْر كذلك وقد سُمِع ذلك في كلامهم نَثْراً ونَظْماً : ففي النثر قوله : " أكلتُ لَحْماً سمَكاً تَمْراً " وفي نَظْمِهِم قول الشاعر : [ الخفيف ]
كَيْفَ أصْبحْتَ كَيْف أمْسَيْتَ مِمَّا *** يَزْرَعُ الوُدَّ في فُؤادِ الكَرِيم{[15419]}
أي : أكلت لَحْماً وسمكاً وتمراً ، وكيف أصْبَحْت وكيف أمْسَيْت ، وهذا على أحَدِ القولين في ذلك .
والقول الثاني : أنه بدل بداء ؛ ومنه الحديث : " إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلّي الصَّلاة ، وما كُتِبَ له نِصْفُهَا ثلثُهَا رُبْعُها " إلى أنْ وَصَلَ إلى العُشْرِ{[15420]} .
الرابع : انه مَنْصُوبٌ بفعل مَحْذُوفٍ مدلول عليه بما في اللَّفْظِ ، تقديره : كُلُوا ثمانية أزْوَاج ؛ وهذا أضْعَفُ مما قبله .
الخامس : أنه مَنْصُوب على الحالِ ، تقديره : مُخْتَلفة أو متعدِّدَة ، وصاحب الحال : " الأنْعَام " فالعَامِل في الحال ما تعلَّق به الجَارُّ وهو " مِنْ "
السادس : أنه مَنْصُوب على البدل من محلِّ " مِمَّا رَزَقَكُم اللَّه " .
الوَاحِد{[15421]} إذا كان وحده فهو فَرْد ، وإذا كان مَعَهُ غيره من جِنْسِه سُمِّي زَوْجاً وهما زَوْجَان ؛ قال – تعالى - : { خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى } [ النجم : 45 ] وقال : " ثمانِيَة أزْوَاج " ثم فَسَّرها بقوله : " من الضَّأنِ اثْنَيْنِ ومِن المَعْزِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ " .
قال القرطبي{[15422]} : والزَّوْج : خلاف الفَرْد ؛ يقال : زَوْج أو فَرْد كما يقال خَساً أو ذَكاً ، شفع ، أو وتر ، فقوله : " ثَمَانِيَة أزْواجِ " يعني ثمانية أفراد وكُلُّ فرد عنه العرب يحتاج إلى آخر يُسَمَّى زوجاً ، يقال للذكر : زوج وللأنثى زَوْجٌ ، ويقع لَفْظُ الزَّوْج للواحد والاثْنَيْن ، يقال : هما زَوْجَان وهما : زوْجٌ ؛ كما يقال : هما سِيَّان وهما سَوَاء ، وتقول : اشْتَرْيت زَوْجَيْ حَمَام وأنت تعني : ذكراً وأنْثَى .
قوله : " مِنَ الضَّأنِ اثْنَيْن " في نصب " اثْنَيْنِ " وجهان :
أحدهما : أنه بَدَلٌ من " ثَمَانِيَة أزْوَاج " وهو ظَاهِر قول الزَّمَخْشَري{[15423]} ؛ فإنه قال : والدَّلِيلُ عليه " ثَمَانِيَة أزْوَاجٍ " ثم فسَّرها بقوله : " مِنَ الضَّأنِ اثْنَيْنِط الآية ؛ وبه صرح أبُو البقاءِ{[15424]} فقال : " واثْنيْنِ بدل من الثَّمانية وقد عُطِف عَلَيْه بقيَّة الثمانِية " .
والثاني : أنه مَنْصُوب ب " أنْشَأ " مقدَّراً ؛ وهو قول الفَارِسيِّ و " مِنْ " تتعلَّق بما نَصَب " اثْنَيْنِ " .
والجُمْهُور{[15425]} على تسْكِين همزة " الضَّأن " وهو جَمْع ضَائِن وضائنه ؛ كتاجِرٍ وتارجة وتَجْر ، وصَاحِبٍ وصَاحِبَة وصَحْب ، وراكب ورَكْب .
وقرأ الحسن وطلحة بن مُصَرِّف وعيسى بن عمر : " الضَّأن " بفتحها ؛ وهو إمَّا جمع تكْسِير لضَائِنٍ ؛ كما يقال : خَادِم وخَدَم ، وحَارِس وحَرَس ، وطالِب وطَلَب ، وإما اسْمُ جمعٍ ، ويجمع الضَّأنُ على ضَئِين ؛ كما يقال : كَلْب وكَلِيبٌ ؛ قال القائل : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . فبذّت نبلهُم وكليبُ{[15426]}
وقيل : الضّئين والكليب اسما جمع ، ويقال : ضِئين بكسر الضاد ، وكأنها إتباع لكسر الهمزة ؛ نحو : بعير وشِعير بكسر الباء والشين لكسر العين ، و " الضأن " معروف وهو ذو الصّوف من الغنم ، و " المَعز " : ذو الشَّعر منها .
فصل فيما يقال في الجمع من النَّعم ونحوه
قال الجوهري : يقال : صِرمةٌ من الإبل ، وقطيع من الغنم ، وكوكبة من الفرسان ، وكبكبة من الرجال ، وخرقة من الغلمان ، ولمّ " ة من النساء ، ورعيلٌ من الخيل ، وسرب من الظّباء ، وعرجلة من السباع ، وعصابة{[15427]} من الطير ، ورَجل من الجراد وحشرمٌ من النخل .
وقال غيره : يقال أيضا : سرب من القطا .
قال الشاعر في ذلك : [ الطويل ]
أسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ *** لَعَلَّي إلى أرْضِ الحَبيبِ أطِير{[15428]}
وقرا أبان بن عُثْمَان : اثنان بالرَّفْع على الابتداء ، والخَبَر الجَارُّ قَبْلَه ، وقرأ ابن{[15429]} كثير وأبو عمرو وابنُ عامر : " المَعَز " بفتح العين والباقون بسُكُونِها ، وهما لُغَتَان في جَمْع مَاعِز ، وقد تقدَّم أن فَاعِلاً يجمع على فَعْلٍ تارة ، وعلى فَعَل أخرى ؛ كتَاجِر وتَجْر وخَادِم وخَدْم ، وتقدَّم تحقيقه ، ويُجْمَع أيضاً على مِعْزَى وبها قرأ أبَيٌّ ، قال امْرُؤ القيس : [ الوافر ]
ألا إنْ لا تَكُنْ إبلٌ فَمِعْزَى *** كَأنَّ قُرُونَ جِلَّتِهَا العصِيُّ{[15430]}
وقال أبو زَيْد : إنه يَجْمَع على أمْعُوزٍ ؛ وأنشد : [ الكامل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كالتِّيْسِ فِي أمْعُوزِهِ المُتَرَبِّل{[15431]}
ويُجْمَع أيضاً على مَعْيز ؛ وأنْشَدُوا لامرئ القيس : [ الوافر ]
ويَمْنَحُهَا بَنُوا شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ *** مَعِيزَهُم حَنَانَكَ ذَا الحَنَانِ{[15432]}
قال القُرْطُبِيُّ{[15433]} : والمعْزُ من الغَنَمِ خلاف الضَّأنِ ، وهي ذَوَات الأشْعَار والأذْنَاب القَصَار ، وهو اسم جِنْسٍ ، وكذلك المَعَزَ والمعيزُ والأمعُوز والمِعْزى ، وواحد المَعْزَ ، ماعز ؛ مثل صَاحِب وصَحْبٍ ، والأنْثى ماعِزَة وهي العنز والجَمع مَوَاعِز ، وأمْعز القَوْمُ : كثرت مَعْزَاهُم ، والمعّاز : صَاحِبُ المِعْزى والمَعَز : الصَّلابة من الأرْضِ ، والأمْعَز : المكان الصُّلب الكَثِير الحَصَى ، والمعزاء أيضاً ، واستمعز الرَّجُل في أمْر ، جَدَّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.