اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجمعة

[ مدنية ]{[1]} وهي إحدى عشرة آية ، ومائة وثمانون كلمة ، وسبعمائة وعشرون حرفا .

روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة " {[2]} .

وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له ، قال : يوم الجمعة ، فاليوم لنا ، وغدا لليهود وبعد غد للنصارى " {[3]} .

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } تقدم الكلام فيه .

وقوله : { الملك القدوس العزيز الحكيم } .

وجه تعلق هذه السورة بما قبلها ، هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة : «سبَّحَ للَّهِ » بلفظ الماضي وذلك لا يدل على التسبيح في المستقبل ، فقال في أول هذه السورة بلفظ [ المستقبل ]{[56525]} ليدل على التسبيح في الزمن الحاضر والمستقبل .

وأما تعلق الأول بالآخر ، فلأنه تعالى ذكر في آخر تلك السورة أنه كان يؤيد أهل الإيمان حتى صاروا غالبين على الكُفَّار وذلك على وفق الحكمة لا للحاجة إليه إذ هو غني على الإطلاق ومنزه عما يخطر ببال الجهلة ، وفي أول هذه السورة ذكر على ما يدل على كونه مقدساً ، ومنزّهاً عما لا يليق بحضرته العليَّة ثم إذا كان خلق السماوات والأرض بأجمعهم في تسبيح حضرة الله تعالى فله الملك ، ولا ملك أعظم من هذا على الإطلاق ، ولما كان الملك كله له تعالى فهو الملك على الإطلاق ، ولما كان الكل خلقه فهو المالك على الإطلاق{[56526]} .

قوله : { الملك القدوس } .

قرأ العامة : بجر «الملكِ » وما بعده نعتاً لله ، والبدل ضعيف لاشتقاقهما .

وقرأ أبو وائل وسلمة بن محارب ورؤبة{[56527]} بالرفع على إضمار مبتدأ مقتضٍ للمدح .

وقال الزمخشري{[56528]} : «ولو قرئ بالنصب على حدّ قولهم : الحمد لله أهل الحمد ، لكان وجهاً » .

وقرأ زيد{[56529]} بن علي : «القَدُّوس » بفتح القاف ، وقد تقدم ذلك . و «يُسَبِّحُ » من جملة ما يجري فيه اللفظان ، ك «شكره وشكر له ونصحه ونصح له وسبحه وسبح له » .

فإن قيل : «الحَكِيمُ » يطلق أيضاً على الغير كما يقال في لقمان : إنه حكيم .

فالجواب{[56530]} : أن الحكيم عند أهل التحقيق هو الذي يضع الأشياء مواضعها ، والله تعالى حكيم بهذا المعنى .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[56525]:في أ: المضارعة.
[56526]:ينظر: الفخر الرازي 30/3.
[56527]:ينظر: المحرر الوجيز 5/306، والبحر المحيط 8/263، والدر المصون 6/315.
[56528]:ينظر: الكشاف 4/529.
[56529]:ينظر قراءات سورة الحشر آية 23.
[56530]:ينظر: الفخر الرازي 30/4.