قوله : " آمنتم " اختلف القرَّاءُ في هذا الحرف هنا ، وفي طه وفي الشعراءِ ، فبعضهم جرى على منوالٍ واحد ، وبعضهم قرأ في موضع بشيءٍ لمْ يقرأ بِهِ في غيره ، وهم في ذلك على أربع مراتب .
الأولى : قراءة الأخوينِ{[16701]} ، وأبي بكر عن عاصمٍ بتحقيق الهمزتين في السُّور الثَّلاثِ من غير إدخال ألف بينهما ، وهو استفهام إنكارٍ ، وأمَّا الألفُ الثَّالثة فالْكلُّ يَقْرءُونَهَا كذلك ، لأنَّهَا فاءُ الكلمة ، أبدلتْ لسكونها بعد همزة مفتوحة ، وذلك أنَّ أصْلَ هذه الكلمةِ أَأَأْمنْتم بثلاثِ همزاتٍ : الأولى للاستفهام ، والثَّانيةُ همزة " أفْعَلَ " ، والثَّالثةُ فاء الكلمة ، فالثَّالثة يجبُ قلبها ألفاً ، لما تقدم أوَّل الكتاب ، وأمَّا الأولى فمُحَقَّقه ليس إلاَّ ، وأمَّا الثَّانيةُ فهي الَّتي فيها الخلاف بالنِّسبة إلى التَّحقيقِ والتَّسْهيلِ .
الثانية : قراءة حفص وهي " آمنتم " بهمزة واحدة بعدها الألفُ المشار إليها في جميع القرآن ، وهذه القراءةُ تحتمل الخبرَ المَحْضَ المتضمِّنَ للتَّوبيخ ، وتحتمل الاستفهامَ المشارَ إليه ، ولكنه حُذِفَ لفهم المعنى ، ولقراءة الباقين .
الثالثة : قراءة نافعٍ وابن عمروٍ وابن عامر والبزِّي عن ابن كثير وهي تحقيقُ الأولى ، وتسهيلُ الثانية بين بين ، والألف المذكورة ، وهو استفهام إنكاري ، كما تقدم .
الرابعة : قراءةُ قنبلٍ عن ابنِ كثير ، وهي التَّفرقةُ بين السُّور الثَّلاثِ .
وذلك أنَّهُ قرأ في هذه السُّورة حال الابتداء ب " أآمنتم " بهمزتين ، أولاهما محققة والثَّانية مُسَهَّلة بَيْنَ بَيْنَ وألف بعدها كقراءة البزِّي ، وحال الوصل يقرأ : " قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنْتُم " بإبدال الأولى واواً ، وتسهيل الثَّانية بين بين وألف بعدها ، وذلك أنَّ الهمزة إذا كانت مفتوحةً بعد ضمَّةٍ جاز إبدالُهَا واواً سواء أكانت الضَّمَّةُ والهمزةُ في كلمةٍ واحدةٍ نحو : مُرْجَؤونَ ، و { يُؤَاخِذُكُمُ } [ البقرة : 225 ] ومُؤجَّلاً أم في كلمتين كهذه الآيةِ ، وقد فعل ذلك أيضاً في سورة الملك في قوله : { وَإِلَيْهِ النشور أَأَمِنتُمْ } [ الملك : 15-16 ] فأبدلَ الهمزةَ الأولى واواً ، لانضمام ما قَبْلهَا حال الوصل ، وأمَّا في الابتداءِ فيخففها لزوال الموجبِ لقلبها ، إلاَّ أنَّه ليس في سورة الملكِ ثلاثُ همزاتٍ ، وسيأتي إن شاء اللَّهُ تعالى في موضعه .
وقرأ في سورة طه كقراءة حفص : أعني بهمزة واحدة بعدها ألف ، وفي سورة الشعراء كقراءة رفيقه البزّيّ ، فإنَّهُ ليس قبلها ضمة ؛ فيبدلها واواً في حال الوصل .
وقد قرئ لقنبل أيضا بثلاثة أوجه في هذه السورة وصلا وهي : تسكين الهمزة بعد الواو المبدلة ، أو تحريكها ، أو إبدالها ألفا ، وحينئذ نطق بقدر ألفين .
ولم يُدخلْ أحدٌ من القراء مدّاً بين الهمزتين هنا سواءً في ذلك من حقَّق أو سهَّل ، لئلاَّ يجتمع أربعُ متشابهاتٍ ، والضميرُ في " به " عائدٌ على اللَّهِ تعالى لقوله : { قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين } ويجوزُ أن يعود على موسى ، وأمَّا الذي في سورة طه والشعراء في قوله { آمَنتُمْ بِهِ } فالضَّميرُ لموسَى لقوله { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ } .
اعلم أنَّ فرعون لمَّا رأى إيمان السَّحرةٍ بنبوة موسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - عند اجتماع الخلق خاف من أن يصير ذلك حجّة قويَّة على صحَّةِ نبوة موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - فألقى في الحالِ شبهتين إلى أسْماعِ العوامِّ ؛ ليمنع القوم من اعتقاد نُبوةِ موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام- .
الأولى : قوله : { إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة } أي : إنَّ إيمان هؤلاء بموسى ليس لقوة الدَّليل بل لأنَّهم تَوَاطَئُوا مع مُوسى أنَّه إذا كان كذا وكذا فنحن نُؤمن بِك .
الثانية : أنَّ غرض موسى والسَّحرة فيما تواطئوا عليه إخراج القوم من المدينة ، وإبطال ملكهم .
ومعلوم عند جمع العقلاء أنَّ مُفارقَةَ الوطنِ والنِّعْمَة المألوفة من أصعبِ الأمور فجمع فرعون اللّعينُ بين الشُّبهتين ، ولا يوجد أقوى منهما في هذا الباب .
وروى محمَّدُ بنُ جريرٍ عن السُّدِّي في حديثٍ عن ابن عباس ، وابن مسعودٍ وغيرهما .
من الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين أن موسى عليه السلام وأمير السحرة التقيا فقال موسى - عليه الصلاة والسلام - : أرأيتك إن غلبتك أن تؤمن بي وتشهدَ أنَّ ما جِئتُ به الحقّ ؟ فقال الساحر : واللَّهِ لئن غلبتني لأومِنَنَّ بك ، وفرعون ينظر إليهما ويسمعُ قولهما ، فهذا قولُ فرعون : { إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة }{[16702]} .
قال القاضي : وقوله { قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ } دليلٌ على مناقضة فرعون في ادِّعاءِ الألوهية ، لأنَّهُ لو كان إلهاً لما جاز أن يأذنَ لهم في أن يُؤمنوا به مع أنَّهُ يدعوهُمْ إلى إلهيَّةِ غيره ، وذلك من خذلان اللَّهِ الذي يظهرُ على المُبطلين .
قوله : " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " حُذِفَ مفعولُ العلم ، للعلم به ، أي : تعلمون ما يحلُّ بكم ، وهذا وعيدٌ مجمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.