قال القرطبي{[16056]} : لما بيَّن أنَّهم حرَّموا من تِلْقاءِ أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم ، بيَّن هنا إباحة الزِّينةِ ، والمُرَادُ بها الملبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه وقيل : جميع الثّياب .
وهذا استفهامٌ معناه التَّوبيخ والإنكار ، وإذا كان للأإنكار فلا جواب له ؛ إذ لا يُرادُ به استعلام ، ولذلك نسب مَكيٌّ{[16057]} إلى الوهم في زعمه أنَّ قوله : " قُلْ هِيَ للذِيْن آمَنوا . . إلى آخره " جوابه .
قوله : " زينة الله " قال ابن عباس وأكثر المفسرين : المراد به اللِّباس الذي يَسْتُرُ العَوْرَة{[16058]} .
وقيل : جميع أنواع الزينة ، فيدخل فيه جميع أنواع المَلْبُوسِ ، ويدخلُ تحته تنظيف البدن من جميع الوجوه ، ويدخلُ تحته الرّكوب وأنواع الحلي ؛ لأنَّ كل ذلك زينة ، ولولا النًّص الوارد في تحريم الذَّهب والإبريسم على الرّجال لكان داخلاً تحت هذا العموم .
ويدخل تحت الطيِّبات من الرِّزْقِ كلُّ ما يُسْتَلَذُّ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات ، ويدخلُ تحته التَّمتع بالنِّسَاءِ والطيب .
روي عن عُثْمَانَ بن مَظْعُون أنَّه أتى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وقال : " غلبني حديثُ النَّفْسِ عَزَمْتُ أن أخْتَصِي ، فقال : مَهْلاً يا عثمان ، إن خصاء أمتى الصِّيام ، قال : إنَّ نَفْسي تحدثنى بالترهب ، فقال : إنَّ تَرَهُّبَ أمَّتِي القُعُودُ في المساجِدِ لانتظار الصلاة فقال : تُحَدِّثُني نَفْسي بالسِّياحَةِ ، فقال : سيَاحَةُ أمَّتِي الغَزْوُ والحجُّ والعُمْرَةُ ، فقال إنَّ نَفْسِي تَحَدِّثُنِي أنْ أخْرُجَ مِمَّا أمْلِكُ ، فقال : الأوْلَى أنْ تَكْفِي نَفْسَكَ وعيالَكَ ، وأنْ تَرحم اليتيم ، والمساكِينَ ، فتُعْطِيَهُ أفضل مِنْ ذلك ، فقال : إنَّ نَفْسِي تحدِّثُنِي أنْ أطلِّق خَوْلَةَ ، فقال : إنَّ الهِجْرَةَ في أمَّتِي هِجْرَةُ ما حرَّم الله ، فقال : إنَّ نَفْسِي تُحدِّثُني ألاَّ أغْشَاها ، فقال : المُسْلِمُ إذا غشي أهْلَه أو ما مَلَكَتْ يَمِينُهُ ، فإنْ لَمء يُصِبْ من وقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَداً كان لَهُ وصيفٌ في الجَّنةِ ، وإنْ كان لَهُ وَلَدٌ مات قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ كَانَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ وفرحاً يَوْمَ القيامةِ ، وإن مات قَبْلَ أن يَبْلُغَ الحنث كان لَهُ شَفِيعاً ورَحْمَةً يَوْمَ القيامةِ ، قال : فإن نَفْسِي تحدثني إلاَّ آكل اللحم قال مَهْلاً إني آكُلُ اللحم إذا وَجَدْتهُ ولو سألت الله أن يطعمنيه فعل . قال : فإن نفسِي تُحَدِّثُنِي ألاَّ أمَسَّ الطِّيبَ ، قال : مَهلاً فإن جِبْريلَ أمَرَنِي بالطِّيب غبّاً وقال : لا تَتْرُكْه يوْمَ الجُمعَةِ ، ثم قال : يا عُثْمَانُ : لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي فإنَّ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَمَاتَ قبل أنْ يتُوبَ صَرَفَت الملائكةُ وجْهَهُ عَنْ حَوْضِي{[16059]} "
وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أنَّ هذه الشَّريعةِ هي الكاملة ، وتدل على أن جميع الزِّينة مباح مأذون إلا ما خصَّه الدليل .
هذه الآيةُ تقْتَضي حلَّ كلِّ المنافع ، وهو أصلٌ معتبر في جميع الشريعة ؛ لأنَّ كلَّ واقعة إمَّا أن يكون النَّفع فيها خالصاً أو راجحاً ، أو يتساوى فيها الضَّرر والنَّفع ، أو يرتفعان .
أما القسمان الأخيران وهما : أن يتعادل الضّرر والنفع ، أو لم يوجدا قطُّ ، ففي هاتين الصُّورتين يجب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، وإنْ كان النَّفع خالصاً ؛ وجب الإطلاق بمقتضى هذه الآية ، وإن كان النَّفع راجحاً والضَّرر مرجوحاً يقابل المثل بالمثل ، ويبقى القدر الزَّائد نفعاً خالصاً فيلتحق بالقسم الأوَّل ، وهو الذي يكون النَّفعِ فيه خالصاً وإن كان الضَّرر خالصاً كان تركه نفعاً خالصاً ، فبهذا الطَّريق صارت هذه الآية دالّة على الأحكام التي لا نهاية لها في الحلّ والتحريم ، ثمَّ إنْ وجدنا نصاً خالصاً في الواقعةِ قَضَيْنَا في النَّفْعِ بالحِلِّ ، وفي التضَّرَرِ بالحُرْمَةِ ، وبهذا الطَّريق صار جَمِيعُ الأحْكَامِ التّي لا نِهَايَةَ لها داخلَ تحت هذا النَّصِّ .
قال نُفَاةُ القياس : لو تَعَبَّدَنَا الله بالقياس لكان حكم ذلك القياس إمّا أن يكون موافقاً لحكم هذا النص العام وحينئذٍ يكون ضَائِعاً ؛ لأنَّ هذا النَّصَّ مستقلٌ به ، وإنْ كان مخالفاَ كان ذلك القِياسُ مُخَصِّصاً لعموم هذا النَّصِّ ، فيكون مردوداً ؛ لأن العمل بالنَّصِّ أوْلَى من العملِ بالقياسِ ، قالوا : وبهذا الطَريق يكونُ القرآن وحْدَهُ وافِياً ببيَانِ كل أحكام الشَّريعةِ ، ولا حاجة معه إلى شَيْءٍ آخر .
قوله : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } .
[ " قل هي للَّذين آمنوا في الحياة الدُّنيا {[16060]} " ] أي : بحقِّها من تَوْحيد الله - عزَّ وجلَّ - والتَّصديق له ، فإن الله ينعم ويرزق ، فإن وحّده المنعم عليه وصدَّقَهُ فقد قَامَ بحقِّ النِّعْمَةِ ، وإنْ كَفَرَ أمكن الشَّيْطَان من نَفْسِه .
وقيل : أي : هي للَّذين آمَنُوا في الحياة الدُّنْيَا غير خالصةٍ لهم ؛ لأنَّ المشركين شركاؤهم فيها خالصة يَوْمَ القيامة لا يشركهم فيها أحد .
فإن قيل : هلاّ قيل للذين آمنوا ولغيرهم{[16061]} .
فالجواب : لينبه على أنَّها خلقت للذين آمنُوا على طريق الأصالةِ ، وأن الكفرة تبع لهم كقوله { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار } [ البقرة : 126 ] ، وسيأتي له أجوبة أُخر في آخر الآية ، والمراد التَّنْبِيهُ على أنَّ هذه النِّعم إنَّما تصفو من الشوائب يوم القيامة
قوله : " خَالِصَةً " قرأها نافعٌ{[16062]} رفعاً ، والباقون نصباً فالرفع من وجهين :
أحدهما : أن تكون مرفوعة على خبر المبتدأ وهو " هِيَ " ، و " لِلَّذِين آمَنُوا " متعلق ب " خَالِصَةً " ، وكذلك " يَوْمَ القيامةِ " .
وقال مكيٌّ{[16063]} : " ويكون قوله : " للَّذين " بييناً ، فعلى هذا يتعلق بمحذوف كقولهم : سَقْياً لك وجَدْعاً لك .
و { فِي الحياة الدنيا } متعلَّق ب " آمَنُوا " ، والمعنى : قل الطيبات خالصة للمؤمنين في الدُّنيا يَوْمَ القيامةِ ، أي : تَخْلصُ يوم القيامة لمن آمَنَ في الدُّنْيَا ، وإنْ كانت مشتركة فيها بينهم وبين الكفَّار في الدُّنيا ، وهو معنى حسن .
وقيل : المرادُ بخلوصها لهم يَوْمَ القيامةِ أنَّهُم لا يعاقبون عليها ، وإلى تفسير هذا نَحَا سعيدُ بْنُ جُبَيْرِ .
الثاني : أنْ يكون خبراً بعد خبر ، والخبر الأوَّل قوله : " لِلَّذينَ آمَنُوا " قاله الزجاج : واستحسنه أبو علي{[16064]} ، و " فِي الحياة الدنيا " على هذا متعلِّق بما تعلَّقَ به الجارُّ من الاستقرار المقدَّرِ ، و " يَوْمَ القيامةِ " معمول ل " خالصة " كما مرَّ الوجه قبله ، والتقديرُ : قل الطيبات مستقرة أو كائنة للذين آمنوا في الحياة الدُّنيا ، وهي خالصة لهم يوم القيامةِ ، وإنْ كانوا في الدُّنيا يشاركهم الكفَّارُ فيها .
ولمّا ذكر أبُو حيَّان هذا الوجه لم يعلَّقُ " فِي الحياةِ " إلا بالاستقرار ، ولو علق ب " آمنوا " كما تقدم في الوَجْهِ قَبلَهُ لكان حسناً .
وأمَّا النصب فمن وجه واحد ، وهو الحال [ من الضَّمير المستتر في الجارِّ والمجرور قبله ]{[16065]} ، والمعنى : أنَّها ثابة للَّذين آمنوا في حال كونها خالصة لهم يَوْمَ القيامةِ ، و " للَّذينَ آمَنُوا " خبر " هِيَ " فتتعلق بالاستقرار المقدَّرِ ، وسيأتي أنَّهُ متعلق باستقرار خاص في بعض التقادير عند بعضهم .
و { فِي الحياة الدنيا } على ما تقدَّم من تعلُّقه ب " آمنوا " وبالاستقرار المتعلق به للذين ، و " يَوْمَ القيامةِ " متعلِّق أيضاً بخالصة ، والتقديرُ : قل الطّيبات كائنة أو مستقرة للمؤمنين في الحياة حال كونهم مقدَّراً خلوصها لهم يَوْمَ القيامةِ .
وسمى الفراء{[16066]} نصبها على القطع ، فقال : " خَالِصَةً " نصب على القَطْعِ ، وجعل خبر " هِيَ " في " اللاَّم " التي في قوله : " للَّذين " ، ويعنى بالقطع الحال .
وجوَّز أبُو علي أنْ يتعلَّق " فِي الحياة الدنيا " بمحذوفِ على أنَّهُ حال ، والعاملُ فيها ما يعمل في " الَّذينَ آمَنُوا " .
وجوَّز الفارسيُّ ، وتبعه مكيٌّ{[16067]} أن تتعلَّق " فِي الحياةِ " ب " حرم " والتقديرُ : من حرم زينة الله في الحياة الدُّنْيَا ؟ وجوَّز أيضاً أن تتعلق بالطّيبات .
وجوَّز الفارسي{[16068]} وحدَهُ أن تتعلَّق بالرزق ومنع مكيٌّ{[16069]} ذلك قال : لأنَّكَ قد فرَّقْتَ بينهما بقوله : " قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ " يعني أن الرِّزْقَ مصدر ، فالمتعلّق به من تمامه كما هو من تمام الموصول ، وقد فصلت بينه وبين معموله بجملة أجنبية ، وسيأتي عن هذا جواب عن اعتراض اعترض به على الأخْفَشِ .
وجوَّز الأخْفَشُ أن تتعلَّق " في الحياة " ب " أخرج " أي : أخرجها في الحياةِ الدُّنْيَا ، وهذا قد ردهُ عليه النَّاس بأنه يلزم الفَصْل بين أبعاض الصلة بأجنبي ، وهو قوله " وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق " .
وقوله : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } ، وذلك أنَّهُ لا يُعطَفُ على الموصول إلاَّ بعد تمام صلته ، وهنا قد عطفت على موصوف الموصول قبل تمامِ صلته ؛ لأنَّ " الَّتِي أخْرَجَ " صفة ل " زينة " ، و " الطيِّبَات " عطف على " زِينَة " وقوله { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } جملة أخرى قد فصلت على هذا التقدير بشيئين .
قال الفَارِسِيُّ {[16070]}- كالمجيب عن الأخفش - : " ويجوزُ ذلك ، وإن فُصِلَ بين الصلة والموصولة بقوله : { هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } لأنَّ ذلك كلام يشدُّ الصِّلة ، وليس بأجنبي منها جداً كما جاء ذلك في قوله : { والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ يونس : 27 ] .
فقوله : { وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } معطوف على " كَسَبُوا " داخل في الصلة .
قال شهابُ الدِّين{[16071]} : هذا وإن أفاد في ما ذكر ، فلا يفيد في الاعتراض الأوَّلِ ، وهو العطفُ على موصوف قبل تمام صلته ؛ إذْ هو أجنبي منه ، وأيضاً فلا نسلِّم أنَّ هذه الآية نظير آية " يونس " فإنَّ الظاهِرَ في آية يونس أنَّهُ ليس فيها فصل بين أبعاض الصِّلة .
وقوله " لأن جزاء سيِّئةٍ بمِثِلِهَا " معترض ، و " تَرْهَقُهُمْ " عطف على " كَسَبُوا " .
قلنا : ممنوع ، بل { جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } هو خبر الموصول ، فيعترض بعدم الرَّابط بين المبتدأ والخبر ، فيجابُ بأنَّهُ محذوف ، وهو من أحسن الحذوف ؛ لأنَّهُ مجرور ب " من " التَّبْعيضية ، وقد نصَّ النُّحَاةُ على أنَّ ما كان كذلك كثر حذفه وحَسُنَ والتقديرُ : والَّذينَ كَسَبُوا السيِّئَاتِ جَزَاءُ سيِّئةٍ منهم بمثلها ف " جَزَاءُ سَيِّئةٍ " مبتدأ ، و " مِنْهُم " صفتها ، و " بمثلها " خبره ، والجملة خَبَر الموصول ، وهو نظير قولهم : السَّمن منوانِ بِدرْهَمٍ أي : منوان منه ، وسيأتي لهذه الآية مزيد بيان .
ومنع مكي{[16072]} أن يتعلق { فِي الحياة الدنيا } ب " زينة " قال : لأنَّها قد نُعتت ، والمصدر واسم الفاعل متى نعتا لا يعملان لبعدهما عن شبه الفعل .
قال : " ولأنَّهُ يُفَرَّق بين الصَّلة والموصول ؛ لأنَّ نَعْتَ الموصول ليس من صلته " .
قال شهابُ الدِّين{[16073]} : لأن زينة مصدر فهي في قوة حرف موصول وصلته ، وقد تقرَّر أنَّهُ لا يتبع الموصول إلا بعد تما صلته ، فقد تحصل في تعلق " الَّذينَ آمَنُوا " ثلاثة أوْجُهٍ :
إمَّا أنْ يتعلَّق ب " خالصة " ، أو بمحذوف على أنها خبر ، أو بمحذوف على أنَّها للبيان وفي تعلق { فِي الحياة الدنيا } سبعةُ أوْجُهٍ :
أحدها : أن يتعلٌّق ب " آمنوا " .
الثاني : أن تتعلَّق بمحذوف على أنَّها حال .
الثالث : ان يتعلق بما تعلَّق به " لِلَّذِينَ آمَنُوا " .
الرابع : أن يتلعَّق ب " حَرَّمَ " .
الخامس : أن يتعلَّق ب " أخْرَجَ " .
السادس : ان يتعلق بقوله : " الطّيِّبات " .
و " يَوْمَ القيامةِ " له متعلق واحد وهو " خَالِصَةٌ " ، والمعنى : أنَّها وإن اشتركت فيها الطائفتان دنيا فهي خالصة للؤمنين فقط أخرى .
فإن قيل : إذَا كان الأمر على ما زعمت من معنى الشركة بينهم في الدُّنْيَا ، فكيف جاء قوله تعالى : { هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } ، وهذا مؤذِنٌ ظاهراً بعدم الشركة ؟
أحدها : أنَّ في الكلام حذفاً تقديره : قل هي للذين آمنوا ولغيرهم في الحياة الدنيا خالصة لهم يوم القيامة .
قال أبُو القاسم الكَرْمَانِيُّ : وكأنَّهُ دلَّ على المحذوف قوله بعد ذلك : { خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } إذْ لو كانت خالصة لهم في الدَّارين لم يخص بها أحدهما .
والثاني : أن " لِلَّذينَ آمَنُوا " ليس متعلّقاً بكون مطلق ، بل بكون مقيد ، يدلُّ عليه المعنى ، والتقدير : قل هي غير خَالصَةِ للذين آمنوا لأنَّ المشركين شركاؤهم فيها ، خالصة لهم يَوْمَ القيامةِ ، قاله الزمخشريُّ{[16074]} ، ودلَّ على هذا الكون المقيَّد مقابله وهو قوله : { خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } .
الثالث : ما ذكره الزمخشريُّ ، وسبقه إليه التبريزي قال : " فإن قلت : هلا قيل [ هي ] للَّذين آمنوا ولغيرهم ؟ قلت : التنبيه على أنها خلقت للَّذين آمنوا على طريق الأصالة ، فإنَّ الكفرة تبع لهم كقوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً } [ البقرة : 126 ] .
وقال التبريزي : ولم يذكر الشّركة بينهم وبين الذين أشركوا في الدُّنْيَا تنبيهاً على أنَّهُ إنَّما خلقها للذين آمَنثوا بطريق الأصالة ، والكُفَّار تبع لهم ، ولذلك خاطب المؤمنين [ بقوله ] : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] وهذا الثالث ليس جوابا ثالثاً ، إنما هو مبين لحسن حذف المعطوف في عدم ذكره مع المعطوف عليه .
ثم قال تبارك وتعالى : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات } وقد تقدم .
وقوله : { لِقَوْمِ يَعْلَمُونَ } أنَّ القوم يمكنهم النظر به والاستدلال حتى يتوصَّلُوا إلى ذلك بتحصيل العلوم النظرية .