اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا} (28)

قوله : { رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ } .

العامة : على فتح الدال على أنه تثنية والد ؛ يريد : أبويه .

واسم أبيه : لمك بن متوشلخ ، واسمه أمه : شمخى بنت أنوش ، وكانا مؤمنين .

وحكى الماورديُّ : اسم أمه : منجل .

وقرأ الحسن بن علي{[58064]} - رضي الله عنهما - ويحيى بن يعمر والنخعيُّ : ولولدي ، تثنية ولد يعني : ابنيه ساماً وحاماً .

وقرأ ابن جبير{[58065]} والجحدري : «ولوالدِي » - بكسر الدال - يعني أباه .

فيجوز أن يكون أراد أباه الأقرب الذي ولده ، وخصَّه بالذَّكر لأنه أشرف من الأم ، وأن يريد جميع من ولده من لدن آدم إلى زمن من ولده .

قال الكلبيُّ : كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمن .

وذكر القرطبي{[58066]} عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم عليهما الصلاة والسلام{[58067]} .

قوله { وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً } .

قال ابن عباس رضي الله عنه : أي : مسجدي ومصلاي{[58068]} ، «مُؤمِناً » ، أي : مُصدِّقاً بالله ، ف «مُؤمِناً » حال ، وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن بهم ، فجعل المسجد سبباً للدعاء بالمغفرة .

وقيل : المراد بقوله «بيتي » ، أي : سفينتي .

وقال ابن عباس : أي : دخل في ديني{[58069]} .

فإن قيل : فعلى هذا يصير قوله : «مُؤمِناً » مكرراً .

فالجواب{[58070]} : إنَّ من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مُؤمناً ، وقد لا يكون مؤمناً ، فالمعنى : ولمن دخل دخولاً مع تصديق القلبِ .

قوله : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } ، خصَّ نفسه أولاً بالذكر والدعاء ، ثم المتصلين به لأنَّهم أولى ، وأحق بدعائه ، ثم عمَّ المؤمنين ، والمؤمناتِ إلى يوم القيامة ، قاله الضحاك{[58071]} .

وقال الكلبيُّ : من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم{[58072]} .

وقيل : من قومه ، والأول أظهر ، ثم ختم الكلام مرةً أخرى بالدعاءِ على الكافرين [ فقال : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً } ، أي : هلاكاً ، ودماراً ، والمراد بالظالمين : الكافرين ]{[58073]} فهي عامة في كل كافر ومشرك .

وقيل : أراد مشركي قومه ، و «تَبَاراً » مفعول ثاني ، والاستثناءُ مفرغ ، والتبار : كل شيء أهلك فقد تبر ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ }[ الأعراف : 139 ] .

وقيل : التَّبارُ الخُسران .

قال المفسّرون : فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم .

ختام السورة:

روى الثعلبيُّ عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ سُورةَ نُوحٍ ، كَانَ مَنَ المُؤمِنْينَ الَّذينَ تُدركُهمْ دَعْوَة نُوحٍ عليْهِ السَّلامُ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[58064]:ينظر: المحرر الوجيز 5/377، والبحر المحيط 8/337، والدر المصون 6/387.
[58065]:ينظر السابق.
[58066]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/202.
[58067]:ينظر تفسير القرطبي (18/201).
[58068]:ينظر المصدر السابق.
[58069]:ينظر المصدر السابق.
[58070]:ينظر الفخر الرازي 30/130.
[58071]:ينظر تفسير القرطبي (18/201).
[58072]:ينظر المصدر السابق.
[58073]:سقط من: أ.