اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا} (13)

قوله : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } .

قيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف ، أي : ما لكم لا تخافون لله عظمة ، وقدرة على أحدكم بالعقوبة ، أي : أيُّ عذر لكم في ترك الخوف من الله ؛ قال الهذليُّ : [ الطويل ]

4879 - إذَا لَسَعتْهُ النَّحْلُ لمْ يَرْجُ لَسْعهَا *** . . . {[57997]}

وقال سعيد بن جبيرٍ وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح : ما لكم لا ترجون لله ثواباً ، ولا تخافون له عقاباً{[57998]} .

وقال سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ } ، لا تخشون لله عقاباً وترجون منه ثواباً{[57999]} .

وقال الوالبي والعوفي عنه : ما لكم لا تعلمون لله عظمة{[58000]} .

وقيل : ما لكم لا تعتقدون لله عظمة .

وقال ابن عباس ومجاهد : ما لكم لا ترون لله عظمة .

قال قطرب : هذه لغةٌ حجازيةٌ ، وهذيل وخزاعةُ ومضر يقولون : لم أرج ، أي : لم أبال .

قوله : «وقَاراً » ، يجوز أن يكون مفعولاً به على معان ، منها : ما لكم لا تأملون له توقيراً ، أي : تعظيماً .

قال الزمخشريُّ : والمعنى ما لكم لا تكونون على حالٍ ، تأملون فيها تعظيم الله إيَّاكم في دار الثواب «ولله » بيانٌ للموقر ، ولو تأخر لكان صلته . انتهى .

أي : لو تأخر «للَّهِ » عن «وقَاراً » لكان متعلقاً به ، فيكون التوقير منهم لله تعالى وهو عكس المعنى الذي قصده ، ومنها : لا تخافون لله حلماً وترك معاجلة بالعقاب فتؤمنوا .

ومنها : لا تخافون لله عظمة ، وعلى الأول يكون الرجاء على بابه ، وقد تقدم أن استعماله بمعنى الخوف مجاز ومشترك .

وأن يكون حالاً من فاعل «تَرجُونَ » ، أي : موقرين الله تعالى ، أي : تعظمونه ف «لِلَّهِ » على هذا متعلق بمحذوف على أنه حالٌ من «وقَاراً » أو تكون اللام زائدة في المفعول به ، وحسنه هنا أمران : كون العامل فرعاً ، وكون المعمول مقدماً ، و «لا تَرْجُونَ » حال .

وقد تقدم نظيره في المائدة{[58001]} .

والوقارُ : العظمة ، والتوقيرُ التعظيم ، ومنه قوله تعالى : { وَتُوَقِّرُوهُ }[ الفتح : 9 ] .

وقال قتادةُ : ما لكم لا ترجون لله عاقبة كأن المعنى : ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان{[58002]} .

وقال ابن كيسان : ما لكم لا ترجون في عبادة الله ، وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيراً .

وقال ابن زيد : ما لكم لا تؤتون لله تعالى طاعة{[58003]} .

وقال الحسنُ : ما لكم لا تعرفون لله حقاً ، ولا تشكرون له نعمة{[58004]} .

وقيل : ما لكم لا توحدون الله لأن من عظمه فقد وحَّده .

وقيل : إن الوقار هو : الثبات لله عز وجل ، ومنه قوله تعالى :{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ }[ الأحزاب : 33 ] أي : اثبتن ، والمعنى : ما لكم لا تثبتون وحدانية الله تعالى ، وأنه إلهكم ، لا إله لكم غيره ، قاله ابن بحر ، ثم دلَّهم على ذلك فقال : { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } .


[57997]:صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي وعجزه: ... *** وخالفها في بيت نوب عواسل ينظر ديوانه 1438، ومجاز القرآن 1/275، 2/73 وفيه (نوب عوامل) بدل من (نوب عواسل) وجمهرة الأشعار 9، والطبري 11/156.
[57998]:ينظر تفسير القرطبي (18/196).
[57999]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/245) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[58000]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/249-250) عن ابن عباس ومجاهد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/424-425) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي في "الشعب" من طرق عنه.
[58001]:آية رقم 46.
[58002]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/250).
[58003]:ينظر المصدر السابق.
[58004]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/196).