اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

قوله تعالى : { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } .

روي أنَّ المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين نفراً ، فلمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا يعتذرون بالباطل ، فقال الله { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } لم نصدقكم .

قوله : { قَدْ نَبَّأَنَا الله } فيه وجهان :

أحدهما : أنَّها المتعدِّيةُ إلى مفعولين .

أولهما : " نا " ، والثاني : " مِنْ أخْبارِكُمْ " ، وعلى هذا ففي " مِنْ " وجهان :

أحدهما : أنَّها غيرُ زائدةٍ ، والتقدير ، قد نبَّأنا اللهُ أخْبَاراً من أخباركم ، أو جملة من أخباركم ، فهو في الحقيقة صفةٌ للمفعول المحذوف .

والثاني : أنَّ " مِنْ " مزيدةٌ عند الأخفشِ ؛ لأنَّه لا يشترط فيها شيئاً ، والتقدير : قد نبَّأنا الله أخباركم .

الوجه الثاني - من الوجهين الأولين - : أنَّها متعديةٌ لثلاثة ، ك " أعْلَم " ، فالأولُ ، والثاني ما تقدَّم ، والثالث محذوفٌ اختصاراً للعلم به ، والتقدير : نبَّأنا الله من أخباركم كذباً ، ونحوه . قال أبو البقاء{[18050]} : " قد يتعدَّى إلى ثلاثةٍ ، والاثنان الآخران محذوفانِ تقديره : أخباراً من أخباركم مثبتة . و " مِنْ أخباركُم " تنبيه على المحذُوف وليست " مِنْ " زائدة ، إذ لو كانت زائدة ، لكانت مفعولاً ثانياً ، والمفعول الثالث محذوفٌ ، وهو خطأ ، لأنَّ المفعول الثاني متى ذُكِر في هذا الباب لزم ذكرُ الثالث " .

وقيل : " مِنْ " بمعنى " عن " . قال شهابُ الدِّين " قوله : إنَّ حذف الثالث خطأ " إن عنى حذف الاقتصارِ فمُسلَّم ، وإن عنى حذف الاختصار فممنوعٌ ، وقد تقدَّم مذاهب النَّاس في هذه المسألة .

وقوله : { قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } علّة لانتفاءِ تصديقهم . ثم قال : { وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } فيما تستأنفون ، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه ؟ " ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة " .

فإن قيل : لما قال : { وسيرى الله عملكم ورسوله } فلمَ لَمْ يقل ، ثُمَّ تردُّونَ إليْهِ ؟ .

فالجواب : أنَّ في وصفه تعالى بكونه { عَالِمِ الغيب والشهادة } ما يدلُّ على كونه مطلعاً على بواطنهم الخبيثة ، وضمائرهم المملوءة بالكذب والكيد ، وفيه تخويف شديد ، وزجر عظيم لهم .


[18050]:ينظر: الإملاء 2/20.