ثم قال تعالى : { وكذبوا واتبعوا أهواءهم } وهو يحتمل أمرين أحدهما : وكذبوا محمدا المخبر عن اقتراب الساعة وثانيهما : كذبوا بالآية وهي انشقاق القمر ، فإن قلنا : كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقوله : { واتبعوا أهواءهم } أي تركوا الحجة وأولوا الآيات وقالوا : هو مجنون تعينه الجن وكاهن يقول : عن النجوم ويختار الأوقات للأفعال وساحر ، فهذه أهواءهم ، وإن قلنا : كذبوا بانشقاق القمر ، فقوله : { واتبعوا أهواءهم } في أنه سحر القمر ، وأنه خسوف والقمر لم يصبه شيء فهذه أهواءهم ، وكذلك قولهم في كل آية .
وقوله تعالى : { وكل أمر مستقر } فيه وجوه ( أحدها ) : كل أمر مستقر على سنن الحق يثبت والباطل يزهق ، وحينئذ يكون تهديدا لهم ، وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله تعالى : { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم } أي بأنها حق ( ثانيها ) : وكل أمر مستقر في علم الله تعالى : لا يخفى عليه شيء فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم ، والأنبياء صدقوا وبلغوا ما جاءهم ، كقوله تعالى : { لا يخفى على الله منهم شيء } ، وكما قال تعالى في هذه السورة : { وكل شيء فعلوه في الزبر ، وكل صغير وكبير مستطر } ، ( ثالثها ) : هو جواب قولهم : { سحر مستمر } أي ليس أمره بذاهب بل كل أمر من أموره مستقر .
{ وكذبوا واتبعوا أهواءهم } وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره ، وذكرهما بلفظ الماضي للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة . { وكل أمر مستقر } منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة ، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر ، وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر ، وكل معطوف على الساعة .
{ وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ } : التكذيب واتباع الهوى قريبان ؛ فإِذا حَصَل اتباعُ الهوى فمِنْ شُؤْمِه يحصل التكذيب ؛ لأنَّ اللَّهَ يُلَبِّس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد .
أما اتباع الرضا فمقرونٌ بالتصديق ؛ لأنَّ اللَّهَ ببركاتِ اتباع الحقِّ يفتح عينَ البصيرة فيحصل التصديقِ .
وكلُّ امرئ جَرَتْ له القِسْمةُ والتقدير فلا محالةَ . يستقر له حصولُ ما قُسِمَ وقدِّر له .
{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } : يستقر عملُ المؤمنِ فتُوجَبُ له الجنة ، ويستقر عملُ الكافرِ فَيُجَّازَى .
أهواءهم : ما زينه لهم الشيطانُ من الوساوس والأوهام .
مستقر : منتهٍ إلى غاية ينتهي إليها .
بذلك كذّبوا بالحق إذ جاءهم { واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } فهو منتهٍ إلى غاية يستقر عليها .
إن هذا الكون يا محمد يسير وفق قوانينَ منتظِمة محدّدة مستقرة . وإن أمرك أيها الرسول ، سينتهي إلى الاستقرار بالنصر في الدنيا والفوزِ بالجنّة في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.