روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

{ وَكَذَّبُواْ } النبي صلى الله عليه وسلم وبما أظهره الله تعالى على يده من الآيات { واتبعوا أَهْوَاءهُمْ } التي زينها الشيطان لهم ، وقيل : { كَذَّبُواْ } الآية التي هي انشقاق القمر { واتبعوا أَهْوَاءهُمْ } وقالوا سحر القمر أو سحرت أعيننا والقمر بحاله ، والعطف على الجزاء السابق وصيغة الماضي للدلالة على التحقق ، وقيل : العطف على { اقتربت } [ القمر : 1 ] والجملة الشرطية اعتراض لبيان عادتهم إذا شاهدوا الآيات ، وقوله تعالى : { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } استئناف مسوق للرد على الكفار في تكذيبهم ببيان أنه لا فائدة لهم فيه ولا يمنع علو شأنه صلى الله عليه وسلم ، أو لإقناطهم عما علقوا به أمانيهم الفارغة من عدم استقرار أمره عليه الصلاة والسلام حسبما قالوا : { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } [ القمر : 2 ] ببيان ثبوته ورسوخه أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فسيصير إلى غاية يتبين عندها حقيته وعلو شأنه ، وللإشارة إلى ظهور هذه الغاية لأمره عليه الصلاة والسلام لم يصرح بالمستقر عليه ، وفي «الكشاف » أي كل أمر لا بدّ أن يصير إلى غاية يستقر عليها وأن أمره صلى الله عليه وسلم سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق أو باطل وسيظهر له عاقبتهم أو وكل أمر من أمره عليه الصلاة والسلام ، وأمرهم مستقر أي سيثبت ويستقر على حالة نصرة أو خذلان في الدنيا أو سعادة وشقاوة في الآخرة ، قال في «الكشف » : والكلام على الأول تذييل جار مجرى المثل وعلى الثاني تذييل غير مستقل ، وقرأ شيبة { مُّسْتَقِرٌّ } بفتح القاف ورويت عن نافع ، وزعم أبو حاتم أنها لا وجه لها وخرجت على أن مستقراً مصدر بمعنى استقرار ، وحمله على كل أمر بتقدير مضاف أي ذو مستقر ولو لم يقدر وقصد المبالغة صح ، وجوز كونه اسم زمان أو مكان بتقدير مضاف أيضاً أي ذو زمان استقرار ، أو ذو موضع استقرار ، وتعقب بأن كون كل أمر لا بد له من زمان أو مكان أمر معلوم لا فائدة في الأخبار به ، وأجيب بأن فيه إثبات الاستقرار له بطريق الكناية وهي أبلغ من التصريح .

وقرأ زيد بن علي { مُّسْتَقِرٌّ } بكسر القاف والجر ، وخرج على أنه صفة أمر وأن كل معطوف على { الساعة } [ القمر : 1 ] أي اقتربت الساعة ؛ واقترب كل أمر يستقر ويتبين حاله أي بقربها ، قال في «الكشف » : وفيه شمة من التجريد وتهويل عظيم حيث جعل في اقترابها اقتراب كل أمر يكون له قرار وتبين حال مما له وقع ، وقوله تعالى : { وانشق القمر } على هذا إما على تقدير قد وينصره القراءة بها ، وإما منزل منزلة الإعراض لكونه مؤكداً لقرب الساعة ، وقوله سبحانه : { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً } [ القمر : 2 ] الخ مستطرد عند ذكر انشقاق القمر .

واعترض ذلك أبو حيان بأنه بعيد لكثرة الفواصل بين المعطوف والمعطوف عليه وجعل الكلام عليه نظير أكلت خبزاً ، وضربت خالداً ، وإن يجيء زيد أكرمه ، ورحل إلى بني فلان ، ولحماً بعطف لحماً على خبزاً ثم قال بل لا يوجد مثله في كلام العرب ، وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا دل على العطف الدليل لا يعد ذلك مانعاً منه على أن بين الآية والمثال فرقاً لا يخفى ، وقال صاحب اللوامح إن { مُّسْتَقِرٌّ } خبر كل ، والجر للجوار ، واعترضه أبو حيان أيضاً بأنه ليس بجيد لأن الجر على الجوار في غاية الشذوذ في مثله إذ لم يعهد في خبر المبتدأ ، وإنما عهد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده ، واستظهر كون كل مبتدأ وخبره مقدر كآت ، أو معمول به ونحوه مما يشعر به الكلام أو مذكور بعد وهو قوله تعالى : { حِكْمَةٌ بالغة } [ القمر : 5 ] وقد اعترض بينهما بقوله سبحانه : { وَلَقَدْ جَاءهُمْ } في القرآن { مّنَ الانباء }