البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

{ وكذبوا } : أي بالآيات وبمن جاء بها ، أي قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد .

{ واتبعوا أهواءهم } : أي شهوات أنفسهم وما يهوون .

{ وكل أمر مستقر } ، بكسر القاف وضم الراء : مبتدأ وخبر .

قال مقاتل : أي له غاية ينتهي إليها .

وقال الكلبي : مستقرّ له حقيقة ، فما كان في الدنيا فسيظهر ، وما كان في الآخرة فسيعرف .

وقال قتادة : معناه أن الخير يستقر بأهل الخير ، والشر بأهل الشر .

وقيل : يستقر الحق ظاهراً ثابتاً ، والباطل زاهقاً ذاهباً .

وقيل : كل أمر من أمرهم وأمره يستقر على خذلان أو نصرة في الدنيا وسعادة ، أو شقاوة في الآخرة .

وقرأ شيبة : مستقر بفتح القاف ، ورويت عن نافع ؛ وقال أبو حاتم : لا وجه لفتح القاف . انتهى .

وخرجت على حذف مضاف ، أي ذو استقرار ، وزمان استقرار .

وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي : مستقر بكسر القاف والراء معاً صفة لأمر .

وخرجه الزمخشري على أن يكون وكل عطفاً على الساعة ، أي اقتربت الساعة ، واقترب كل أمر مستقر يستقر ويتبين حاله ، وهذا بعيد لطول الفصل بجمل ثلاث ، وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب ، نحو : أكلت خبزاً وضربت زيداً ، وأن يجيء زيد أكرمه ورحل إلى بني فلان ولحماً ، فيكون ولحماً عطفاً على خبزاً ، بل لا يوجد مثله في كلام العرب .

وخرجه صاحب اللوامح على أنه خبر لكل ، فهو مرفوع في الأصل ، لكنه جر للمجاورة ، وهذا ليس بجيد ، لأن الخفض على الجوار في غاية الشذوذ ، ولأنه لم يعهد في خبر المبتدأ ، إنما عهد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده ، والأسهل أن يكون الخبر مضمراً لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : { وكل أمر مستقر } بالغوه ، لأن قبله : { وكذبوا واتبعوا أهواءهم } : أي وكل أمر مستقر لهم في القدر من خير أو شر بالغه هم .

وقيل : الخبر حكمة بالغة ، أي وكل أمر مستقر حكمة بالغة . ويكون : { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر } اعتراض بين المبتدأ وخبره .