فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

ثم ذكر سبحانه تكذيبهم فقال : { وكذبوا } رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عاينوا من قدرة الله { واتبعوا أهواءهم } ما زينه لهم الشيطان الرجم من دفع الحق بعد ظهوره ذكر هذين بصيغة الماضي ، للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة ، مع أن الظاهر المضارع لكونهما معطوفين على يعرضوا { وكل أمر مستقر } مستأنفة لتقرير بطلان ما قالوه من التكذيب واتباع الهوى ولإقناطهم مما علقوا به أمانيهم الفارغة من عدم استقرار أمره صلى الله عليه وسلم حيث قالوا سحر مستمر ، ببيان ثباته ورسوخه أي وكل أمر من الأمور منتهي إلى غاية يستقر عليها لا محالة ، فالخير يستقر بأهل الخير ، والشر يستقر بأهل الشر .

قال الفراء : تقول يستقر قرار تكذيبهم وقرار قول المصدقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب ، وقيل : كل ما قدر فهو كائن لا محالة وقال الكلبي : المعنى لكل أمر حقيقة ، ما كان منه في الدنيا فسيظهر ، وما كان منه في الآخرة فسيعرف ، وقيل : هو جواب قولهم : { سحر مستمر } ، أي ليس أمره بذاهب كما زعمتم ، بل أمر محمد صلى الله عليه وسلم سيظهر إلى غاية يتبين فيها أنه حق ، وقيل : كل أمر من أمرهم ، وأمره صلى الله عليه وسلم مستقر على حالة خذلان أو نصرة في الدنيا أو شقاوة أو سعادة في الآخرة ، ذكره أبو السعود والظاهر هو الأول .

وإبهام المستقر عليه ، للتنبيه على كمال ظهور الحال وعدم الحاجة إلى التصريح به . قرأ الجمهور مستقر بكسر القاف ، وهو مرتفع على أنه خبر والمبتدأ وهو كل وقرئ بالجر على أنه صفة لأمر ، وقرئ بفتح القاف قال أبو حاتم : ولا وجه لها ، وقيل : وجهه كل أمر ذو استقرار ، أو زمان استقرار ، أو مكانه على أنه مصدر أو ظرف زمان أو ظرف مكان .