مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

قوله تعالى : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } فيه مسائل :

المسألة الأولى : في مقعد صدق ، كيف مخرجه ؟ نقول : يحتمل وجهين ( أحدهما ) : أن يكون على صورة بدل كما يقول القائل : فلان في بلدة كذا في دار كذا وعلى هذا يكون مقعد من جملة الجنات موضعا مختارا له مزية على ما في الجنات من المواضع وعلى هذا قوله : { عند مليك } لأنا بينا في أحد الوجوه أن المراد من قوله : { في جنات ونهر } في جنات عند نهر فقال : { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } ويحتمل أن يقال : { عند مليك } صفة مقعد صدق تقول درهم في ذمة ملئ خير من دينار في ذمة معسر ، وقليل عند أمين أفضل من كثير عند خائن فيكون صفة وإلا لما حسن جعله مبتدأ ( ثانيهما ) : أن يكون : { في مقعد صدق } كالصفة لجنات ونهر أي في جنات ونهر موصوفين بأنهما في مقعد صدق ، تقول : وقفة في سبيل الله أفضل من كذا و : { عند مليك } صفة بعد صفة .

المسألة الثانية : قوله : { في مقعد صدق } يدل على لبث لا يدل عليه المجلس ، وذلك لأن قعد وجلس ليسا على ما يظن أنهما بمعنى واحد لا فرق بينهما بل بينهما فرق ولكن لا يظهر إلا للبارع ، والفرق هو أن القعود جلوس فيه مكث حقيقة واقتضاء ، ويدل عليه وجوه ( الأول ) : هو أن الزمن يسمى مقعدا ولا يسمى مجلسا لطول المكث حقيقة ومنه سمي قواعد البيت والقواعد من النساء قواعد ولا يقال لهن : جوالس لعدم دلالة الجلوس على المكث الطويل فذكر القواعد في الموضعين لكونه مستقرا بين الدوام والثبات على حالة واحدة ويقال للمركوب من الإبل قعود لدوام اقتعاده اقتضاء ، وإن لم يكن حقيقة فهو لصونه عن الحمل واتخاذه للركوب كأنه وجد فيه نوع قعود دائم اقتضى ذلك ولم يرد للإجلاس ( الثاني ) : النظر إلى تقاليب الحروف فإنك إذا نظرت إلى ق ع د وقلبتها تجد معنى المكث في الكل فإذا قدمت القاف رأيت قعد وقدع بمعنى ومنه تقادع الفراش بمعنى تهافت ، وإذا قدمت العين رأيت عقد وعدق بمعنى المكث في غاية الظهور وفي عدق لخفاء يقال : أعدق بيدك الدلو في البئر إذا أمره بطلبه بعد وقوعه فيها والعودقة خشبة عليها كلاب يخرج معه الدلو الواقع في البئر ، وإذا قدمت الدال رأيت دقع ودعق والمكث في الدقع ظاهر والدقعاء هي التراب الملتصق بالأرض والفقر المدقع هو الذي يلصق صاحبه بالتراب . وفي دعق أيضا إذ الدعق مكان تطؤه الدواب بحوافرها فيكون صلبا أجزاؤه متداخل بعضها ببعض لا يتحرك شيء منها عن موضعه ( الوجه الثالث ) : الاستعمالات في القعود إذا اعتبرت ظهر ما ذكرنا قال تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } والمراد الذي لا يكون بعده اتباع وقال تعالى : { مقاعد للقتال } مع أنه تعالى قال : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } فأشار إلى الثبات العظيم . وقال تعالى : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا } فالمقاعد إذن هي المواضع التي يكون فيها المقاتل بثبات ومكث وإطلاق مقعدة على العضو الذي عليه القعود أيضا يدل عليه ، إذا عرفت هذا الفرق بين الجلوس والقعود حصل لك فوائد منها هاهنا فإنه يدل على دوام المكث وطول اللبث ، ومنها في قوله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } فإن القعيد بمعنى الجليس والنديم ، ثم إذا عرف هذا وقيل للمفسرين الظاهرين فما الفائدة في اختيار لفظ القعيد يدل لفظ الجليس مع أن الجليس أشهر ؟ يكون جوابهم أن آخر الآيات من قوله : { حبل الوريد } { ولدي عتيد } وقوله : { بجبار عنيد } يناسب القعيد ، ولا الجليس وإعجاز القرآن ليس في السجع ، وإذا نظرت إلى ما ذكر تبين لك فائدة جليلة معنوية حكمية في وضع اللفظ المناسب لأن القعيد دل على أنهما لا يفارقانه ويداومان الجلوس معه ، وهذا هو المعجز وذلك لأن الشاعر يختار اللفظ الفاسد لضرورة الشعر والسجع ويجعل المعنى تبعا للفظ ، والله تعالى بين الحكمة على ما ينبغي وجاء باللفظ على أحسن ما ينبغي ، وفائدة أخرى في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } فإن قوله : { فافسحوا } إشارة إلى الحركة ، وقوله : { فانشزوا } إشارة إلى ترك الجلوس فذكر المجلس إشارة إلى أن ذلك موضع جلوس فلا يجب ملازمته وليس بمقعد حتى لا يفارقونه .

المسألة الثالثة : في مقعد صدق وجهان ( أحدهما ) : مقعد صدق ، أي صالح يقال : رجل صدق للصالح ورجل سوء للفاسد ، وقد ذكرناه في سورة : { إنا فتحنا } في قوله تعالى : { وظننتم ظن السوء } ، ( وثانيهما ) : الصدق المراد منه ضد الكذب ، وعلى هذا ففيه وجهان ( الأول ) : مقعد صدق من أخبر عنه وهو الله ورسوله ( الثاني ) : مقعد ناله من صدق فقال : بأن الله واحد وأن محمدا رسوله ، ويحتمل أن يقال المراد أنه مقعد لا يوجد فيه كذب لأن الله تعالى صادق ويستحيل عليه الكذب ومن وصل إليه امتنع عليه الكذب لأن مظنة الكذب الجهل والواصل إليه ، يعلم الأشياء كما هي ويستغني بفضل الله عن أن يكذب ليستفيد بكذبه شيئا فهو مقعد صدق وكلمة { عند } قد عرفت معناها والمراد منه قرب المنزلة والشأن لا قرب المعنى والمكان ، وقوله تعالى : { مليك مقتدر } لأن القربة من الملوك لذيذة كلما كان الملك أشد اقتدارا كان المتقرب منه أشد التذاذا وفيه إشارة إلى مخالفة معنى القرب منه من معنى القرب من الملوك ، فإن الملوك يقربون من يكون ممن يحبونه وممن يرهبونه ، مخافة أن يعصوا عليه وينحازوا إلى عدوه فيغلبونه ، والله تعالى قال : { مقتدر } لا يقرب أحدا إلا بفضله .

والحمد لله وصلاته على سيدنا محمد خير خلقه وآله وصحبه وسلامه .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

55- في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم عند مليك عظيم القدرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

ونعيم القلب والروح . نعيم القرب والتكريم : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . . فهو مقعد ثابت مطمئن ، قريب كريم ، مأنوس بالقرب ، مطمئن بالتمكين . ذلك أنهم المتقون . الخائفون . المترقبون . والله لا يجمع على نفس خوفين : خوفها منه في الدنيا ، وخوفها يوم القيامة . فمن اتقاه في العاجلة أمنه في الآجلة . ومع الأمان في أفزع موطن ، يغمره بالأنس والتكريم .

وعند هذا الإيقاع الهادئ ، في هذا الظل الآمن ، تنتهي السورة التي حفلت حلقاتها بالفزع والكرب والأخذ والتدمير . فإذا للظل الآمن والإيقاع الهادئ طعم وروح أعمق وأروح . . وهذه هي التربية الكاملة . تربية العليم الحكيم بمسارب النفوس ومداخل القلوب . وهذا هو التقدير الدقيق لخالق كل شيء بقدر ، وهو اللطيف الخبير . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

{ في مقعد صدق } في مكان مرضي ، وقرئ " مقاعد صدق " . { عند مليك مقتدر } مقربين عند من تعالى أمره في الملك ، والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر " .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

{ فِي مَقْعَدٍ صِدْقٍ } : أي في مجلس صِدْقٍ .

{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } : أراد به عِنْديََّةَ القْرْبة والزلفة .

ويقال : مقعد الصدق أي مكان الصدق ، والصادق في عبادته مَنْ لا يتعبَّدُ على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض .

ويقال : مَنْ طلب الأعواض هَتَكَتْه الأطماع ، ومَنْ صَدَقَ في العبوديَّة تحرَّرَ عن المقاصد الدَّنِيَّة .

ويقال : مَنْ اشتغل بالدنيا حَجَبَتْه الدنيا عن الآخرة ، ومَنْ أَسَرَه نعيمُ الجنة حُجِبَ عن القيامة بالحقيقة ، ومَنْ قام بالحقيقة شُغِلَ عن الكوْن بجملته .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

{ في معد صدق } في مكان مرضي . أو مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، وهو الجنة .

{ عند مليك مقتدر } أي مقربين عند ملك عظم الملك ، قادر عظيم القدرة ؛ تعالى أمره في الملك والاقتدار ! بحيث أبهم على ذوى الأفهام . والله أعلم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

في مقعد صدقٍ : في مكان مرضي .

عند مليكٍ مقتدر : عظيم القدرة .

في مجلسٍ كريم في ضيافةِ الرحمن الرحيم ، القويّ العزيز ، عظيمِ القدرة جلّ جلاله .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

{ في مَقْعَدِ صِدْقٍ } في مكان مرضي على أن الصدق مجاز مرسل في لازمه أو استعارة ، وقيل : المراد صدق المبشر به وهو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو المراد أنه ناله من ماله بصدقه وتصديقه للرسل عليهم السلام ، فالإضافة لأدنى ملابسة ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : مدح المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق ، وهو المقعد الذي يصدق الله تعالى فيه مواعيد أوليائه بأنه يبيح عز وجل لهم النظر إلى وجهه الكريم ، وإفراد المقعد على إرادة الجنس .

وقرأ عثمان البتي في مقاعد على الجمع وهي توضح أن المراد بالمقعد المقاعد .

{ عِندَ مَلِيكٍ } أي ملك عظيم الملك ، وهو صيغة مبالغة وليست الياء من الإشباع { مُّقْتَدِرٍ } قادر عظيم القدرة ، والظرف في موضع الحال من الضمير المستقر في الجار والمجرور ، أو خبر بعد خبر ، أو صفة لمقعد صدق ، أو بدل منه ، والعندية للقرب الرتبي وذكر بعضهم أنه سبحانه أبهم العندية والقرب ونكر مليكاً ، ومقتدراً للإشارة إلى أن ملكه تعالى وقدرته عز وجل لا تدري الإفهام كنههما وأن قربهم منه سبحانه بمنزلة من السعادة والكرامة بحيث لا عين رأيت ولا أذن سمعت مما يجل عن البيان وتكل دونه الأذهان .

وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّ المتقين } [ القمر : 54 ] الخ قال : إن أهل الجنة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة بالأعمال فلا تقرّ أعينهم قط كما تقرّ بذلك ولم يسمعوا شيئاً أعظم منه ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم قريرة أعينهم ناعمين إلى مثلها من الغد وإذا صح هذا فهو من المتشابه كالآية فلا تغفل ، ولهذين الاسمين الجليلين شأن في استجابة الدعاء على ما في بعض الآثار .

أخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : دخلت المسجد وأنا أرى أني أصبحت فإذا على ليل طويل وليس فيه أحد غيري فنمت فسمعت حركة خلفي ففزعت فقال : أيها الممتلىء قلبه فرقاً لا تفرق أو لا تفزع وقل اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون ثم سل ما بدا لك قال : فما سألت الله تعالى شيئاً إلا استجاب لي وأنا أقول : اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون فأسعدني في الدارين وكن لي ولا تكن علي وانصرني على من بغى علي وأعذني من هم الدين وقهر الرجال وشماتة الأعداء ، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

شرح الكلمات :

{ في مقعد صدق } : أي في مجلس حق لا لغو به ولا تأثيم .

{ عند مليك مقتدر } : عند مليك أي ذي ملك وسلطا مقتدر على ما يشاء وهو لله جل جلاله .

المعنى :

هم جالسون في مقعد صدق في مجلس حق لا لغو يسمع فيه ولا تأثيم يلحق جالسه عند مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على فعل كل ما يريده سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه .

الهداية

من الهداية :

- ذكر الجوار الكريم وهو مجاورة الله رب العالمين في الملكوت الأعلى في دار السلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده ، ويمدهم به من إحسانه ومنته ، جعلنا الله منهم ، ولا حرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا .

تم تفسير سورة اقتربت ، ولله الحمد والشكر