اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

قوله : «فِي مَقْعَدِ » يجوز أن يكون خبراً ثانياً وهو الظاهر ، وأن يكون حالاً من الضمير في الجار لوقوعه خبراً ، وجوّز أبو البقاء{[54235]} : أن يكون بدلاً من قوله : «فِي جَنَّاتٍ » . وحيئنذ يجوز أن يكون بدلَ بعض ، لأن المقعد بعضها ، وأن يكون اشتمالاً ، لأنها مشتملة ، والأول أظهر . والعامة على إفراد مَقْعَدٍ مراداً به الجنس كما تقدم في : «نَهَر » . وقرأ عُثْمَانُ{[54236]} البَتِّيُّ : مَقَاعِدَ{[54237]} . وهو مناسب للجمع قبله .

و«مَقْعَدُ صِدْقٍ » من باب رَجُلُ صِدْقٍ في أنه يجوز أن يكون من إضافة الموصوف لصفته والصدق يجوز أن يراد به ضد الكذب أي صدقوا في الإخبار عنه . وأن يراد به الجَوْدَة والخَيْرِيَّة . وَمَلِيكٍ مثال مُبالغة ، وهو مناسب هنا ولا يتوهم أن أصله «ملك » ؛ لأنه هو الوارد في غير موضع وأن الكسرة أُشْبِعَتْ فتولد منها ياء ؛ لأن الإشباع لم يرد إلا ضرورةً أو قليلاً وإن كان قد وقع في قراءة هشام : { أفئدة } [ إبراهيم : 43 ] في آخر إبراهيم . فَلْيُلْتَفَتْ إليه .

فصل

قال : في مقعد صدق ولم يقل : في مجلس صدق ؛ لأن القعود جلوس فيه مكثٌ ومنه : «قَوَاعِدَ البَيْتِ » [ و ] { والقواعد مِنَ النساء } [ النور : 60 ] ، ولا يقال جوالس فأشار إلى دَوَامِه وثَبَاتِهِ ، ولأن حروف «ق ع د » كيف دارتْ تدل على ذلك والاستعمال في القعود يدل على ذلك ومنه : { لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين } [ النساء : 95 ] ، وقوله { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [ آل عمران : 121 ] إشارة إلى الثبات وكذا قوله : { عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] ، فذكر المقعد لدوامه أو لطوله وقال في المجلس : { تَفَسَّحُواْ فِي المجالس } [ المجادلة : 11 ] إشارة إلى الحركة ، وقال { انشزوا } [ المجادلة : 11 ] إشارة إلى ترك الجلوس أي هو مجلس فلا يجب ملازمته بخلاف المقعد{[54238]} .

فصل

قال المفسِّرون : في مقعد صدق أي حق لا لغو فيه ولا تأثيم { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أي مالك قادر لا يعجزه شيء و«عِندَ » ههنا عندية القُرْبَة والزُّلْفَةِ والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة . قال ( جَعفرُ ) الصادق : مَدَحَ الله المكانَ بالصِّدق فلا يقع فيه إلا أهل الصدق{[54239]} .

ختام السورة:

وروى الثعلبي في تفسيره عن أبيّ بن كعب ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ اقْتَرَبَت السَّاعَةُ فِي كُلّ غِبٍّ بُعِثَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ{[1]} . وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ كَانَ أَفْضَلَ وَجَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ مُسفرٌ عَلَى وُجُوهِ الخَلاَئِقِ » .

( اللَّهُمّ ارحمْنا ، وارزقْنَا واسْتُرْنَا ) {[2]} . ( واللَّهُ أَعْلَمُ ) {[3]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[54235]:التبيان 1196.
[54236]:لم أقف عليه.
[54237]:وهي شاذة وانظر البحر 8/184، والقرطبي 17/150.
[54238]:بالمعنى من الرازي 15/82.
[54239]:وانظر القرطبي 17/150 والبغوي والخازن 6/281.