تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ} (55)

الآية 55 وقوله تعالى : { في مقعد صِدقٍ } أي موعود صِدق ؛ كأنه كناية عن راحة وسرور لهم كقوله تعالى : { كانت لهم جنات الفردوس نُزُلاً } [ الكهف : 107 ] أخبر أنهم يستريحون فيها ، أو يسكُنون ، ويقرّون ، لا يريدون التحوّل عنها .

وهو مقابل ما ذكر للكفار : { يوم يُسحَبون في النار على وجوههم } [ القمر : 48 ] أي يُجرّون وقوله تعالى : { سأُرهقه صعودا } [ المدثر : 17 ] وقوله تعالى : { ربنا أخرجنا منها } [ المؤمنون : 107 ] يطلبون خروج منها ، وأخبر أنهم يكونون أبدا في عناء وشدة وبلاء حتى لا يقرّ{[20232]} في مكان .

وعلى هذا يخرّج قوله تعالى : { وبشّر الذين آمنوا أن لهم قَدَم صدق عند ربهم } [ يونس : 2 ] أي لهم موعود صدق عند ربهم ، أي تقِرّ أقدامهم في ذلك ، فيكون هو كناية عن الثبات .

وقوه تعالى : { عند مليك مُقتدِر } إن الرجل إذا كان في فضل وخير يضاف بكونه فيه إلى الله تعالى نحو ما يقال : في سبيل الله تعالى ، ووُفود الله ، وغير ذلك من الأمكنة التي هي أمكنة الفضل والخير ؛ تضاف إلى الله ، نحو بيت{[20233]} الله ومساجد{[20234]} الله لأنها أمكنة القُرب والفضل .

فعلى ذلك قوله تعالى : { في مقعد صِدق عند مليك مُقتدِر } أضاف كونهم في أمكنة الفضل والخير والمنزلة إليه{[20235]} تعالى لا لأنه{[20236]} يوصف بمكان أو مقام بل [ لأنه ]{[20237]} هم مُمسِك الأمكنة كلها ومُنشئ الأمكنة بأسرها ، والله الموفَّق .


[20232]:في الأصل وم: يقرون.
[20233]:إشارة إلى قوله تعالى: {أن طهّرا بيتي للطائفين} [البقرة: 125].
[20234]:إشارة إلى قوله تعالى: {ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه} [البقرة: 114].
[20235]:في الأصل وم: عند الله.
[20236]:في الأصل وم: أنه.
[20237]:ساقطة من الأصل وم.