قوله تعالى : { فتول عنهم } قد ذكرنا أن المفسرين يقولون إلى قوله : { تولى } منسوخ وليس كذلك ، بل المراد منه لا تناظرهم بالكلام .
ثم قال تعالى : { يوم يدعو الداع إلى شيء نكر } قد ذكرنا أيضا أن من ينصح شخصا ولا يؤثر فيه النصح يعرض عنه ويقول مع غيره : ما فيه نصح المعرض عنه ، ويكون فيه قصد إرشاده أيضا فقال بعدما قال : { فتول عنهم يوم يدعو الداع } { يخرجون من الأجداث } للتخويف ، والعامل في : { يوم } هو ما بعده ، وهو قوله : { يخرجون من الأجداث } والداعي معرف كالمنادي في قوله : { يوم يناد المناد } لأنه معلوم قد أخبر عنه ، فقيل : إن مناديا ينادي وداعيا يدعو وفي الداعي وجوه ( أحدها ) أنه إسرافيل و( ثانيها ) : أنه جبريل ( و( ثالثها ) : أنه ملك موكل بذلك والتعريف حينئذ لا يقطع حد العلمية ، وإنما يكون ذلك كقولنا : جاء رجل فقال : الرجل ، وقوله تعالى : { إلى شيء نكر } أي منكر وهو يحتمل وجوها ( أحدها ) : إلى شيء نكر في يومنا هذا لأنهم أنكروه أي يوم يدعو الداعي إلى الشيء الذي أنكروه يخرجون ( ثانيها ) : نكر أي منكر يقول : ذلك القائل كان ينبغي أن لا يكون أي من شأنه أن لا يوجد يقال : فلان ينهى عن المنكر ، وعلى هذا فهو عندهم كان ينبغي أن لا يقع لأنه يرديهم في الهاوية ، فإن قيل : ما ذلك الشيء النكر ؟ نقول : الحساب أو الجمع له أو النشر للجمع ، وهذا أقرب ، فإن قيل : النشر لا يكون منكرا فإنه إحياء ولأن الكافر من أين يعرف وقت النشر وما يجري عليه لينكره ؟ نقول : يعرف ويعلم بدليل قوله تعالى عنهم : { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } .
{ فتول عنهم } لعلمك بأن الإنذار لا يغني فيهم . { يوم يدع الداع } إسرافيل ، ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله : { كن فيكون } وإسقاط الياء إكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب { يوم } ب { يخرجون } أو بإضمار اذكر . { إلى شيء نكر } فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة ، وقرأ ابن كثير بالتخفيف ، وقرئ " نكرا " بمعنى أنكر .
شيء نكر : منكر فظيع ، والمراد : هول القيامة .
6- { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } .
أي : عليك البلاغ ، وليس عليك الهداية ، فإذا أدّيت واجبك فلا تهتم بهم ، وأعرض عنهم ، وانتظرهم حين ينفخ إسرافيل في الصور ، فيقومون من قبورهم في شدة الهول ، حيث يُدعون إلى الحساب والجزاء وما في ذلك اليوم من الأهوال ، التي لم تألفها النفوس ، ولم تر لها مثيلا في الشدّة .
وليس المراد أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ والدعوة للمشركين ، بل المراد : بلّغ ما أنزل إليك من ربك ، في تؤدة وحكمة ، ثم اتركهم ، فإن جزاءهم سيأتي حين ينفخ إسرافيل في الصُّور ، وينادي المنادي من قبل الله عز وجل : أيتها الأرواح الباقية ، والأجساد البالية ، والعظام النخرة ، قومي لفصل القضاء ، وحينئذ يقوم الناس لرب العالمين ، حيث يشاهدون أهوال القيامة .
{ يوم يدع الداع } ظرف ل " يخرجون " . والداعي : إسرافيل عليه السلام . وحذفت الواو من " يدع " لفظا لالتقاء الساكنين ، ورسما تبعا للفظ . وحذفت الياء من " الداع " تخفيفا . { إلى شيء نكر } على أمر فظيع عظيم ، تنكره النفوس وتكرهه ؛ لعدم العهد بمثله وهو هول القيامة ، أو لشدته وهو الحساب . والنكر – بضم الكاف وسكونها - : المنكر ؛ كالنكراء . والأمر الشديد .
{ 6-8 } { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : قد بان أن المكذبين لا حيلة في هداهم ، فلم يبق إلا الإعراض عنهم والتولي عنهم ، [ فقال : ] { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } وانتظر بهم يوما عظيما وهولا جسيما ، وذلك حين { يدعو الداع } إسرافيل عليه السلام { إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ } أي : إلى أمر فظيع تنكره الخليقة ، فلم تر منظرا أفظع ولا أوجع منه ، فينفخ إسرافيل نفخة ، يخرج بها الأموات من قبورهم لموقف القيامة