مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

قوله تعالى : { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } وفيه مباحث تدق عن إدراك اللغوي إن يكن عنده من العلوم حظ عظيم ، ولنذكر ما قيل فيه أولا فنقول قيل معناه : إن هي إلا أسماء ، أي كونها إناثا وكونها معبودات أسماء لا مسمى لها فإنها ليست بإناث حقيقة ولا معبودات ، وقيل أسماء أي قلتم بعضها عزى ولا عزة لها ، وقيل قلتم إنها آلهة وليست بآلهة ، والذي نقوله هو أن هذا جواب عن كلامهم ، وذلك على ما بينا أنهم قالوا نحن لا نشك في أن الله تعالى لم يلد كما تلد النساء ولم يولد كما تولد الرجال بالمجامعة والإحبال ، غير أنا رأينا لفظ الولد مستعملا عند العرب في المسبب تقول : بنت الجبل وبنت الشفة لما يظهر منهما ويوجد ، لكن الملائكة أولاد الله بمعنى أنهم وجدوا بسببه من غير واسطة فقلنا إنهم أولاده ، ثم إن الملائكة فيها تاء التأنيث فقلنا هم أولاد مؤنثة ، والولد المؤنث بنت ، فقلنا لهم بنات الله ، أي لا واسطة بينهم وبين الله تعالى في الإيجاد كما تقول الفلاسفة ، فقال تعالى : هذه الأسماء استنبطتموها أنتم بهوى أنفسكم وأطلقتم على الله ما يوهم النقص وذلك غير جائز ، وقوله تعالى : { يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله } وقوله ( بيده الخير ) أسماء موهمة غير أنه تعالى أنزلها ، وله أن يسمي نفسه بما اختار وليس لأحد أن يسمى بما يوهم النقص من غير ورود الشرع به ، ولنبين التفسير في مسائل :

المسألة الأولى : { هي } ضمير عائد إلى ماذا ؟ نقول الظاهر أنها عائدة إلى أمر معلوم وهو الأسماء كأنه قال ما هذه الأسماء التي وضعتموها أنتم وهو المشهور ، ويحتمل أن يقال هي عائدة إلى الأصنام بأنفسها أي ما هذه الأصنام إلا أسماء ، وعلى هذا فهو على سبيل المبالغة والتجوز ، يقال لتحقير إنسان ما زيد إلا اسم وما الملك إلا اسم إذا لم يكن مشتملا على صفة تعتبر في الكلام بين الناس ، ويؤيد هذا القول قوله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء } أي ما هذه الأصنام إلا أسماء .

المسألة الثانية : ما الفائدة في قوله { سميتموها } مع أن جميع الأسماء وضعوها أو بعضها هم وضعوها ولم ينكر عليهم ؟ نقول المسألة مختلف فيها ولا يتم الذم إلا بقوله تعالى : { ما أنزل الله بها من سلطان } وبيانه هو أن الأسماء إن أنزلها الله تعالى فلا كلام فيها ، وإن وضعها للتفاهم فينبغي أن لا يكون في ضمن تلك الفائدة مفسدة أعظم منها لكن إيهام النقص في صفات الله تعالى أعظم منها ، فالله تعالى ما جوز وضع الأسماء للحقائق إلا حيث تسلم عن المحرم ، فلم يوجد في هذه الأسماء دليل نقلي ولا وجه عقلي ، لأن ارتكاب المفسدة العظيمة لأجل المنفعة القليلة لا يجوزه العاقل ، فإذا { ما أنزل الله بها من سلطان } ووضع الاسم لا يكون إلا بدليل نقلي أو عقلي ، وهو أنه يقع خاليا عن وجوه المضار الراجحة .

المسألة الثالثة : كيف قال : { سميتموها أنتم } مع أن هذه الأسامي لأصنامهم كانت قبلهم ؟ نقول فيه لطيفة وهي أنهم لو قالوا ما سميناها ، وإنما هي موضوعة قبلنا ، قيل لهم كل من يطلق هذه الألفاظ فهو كالمبتدئ الواضع ، وذلك لأن الواضع الأول لهذه الأسماء لما لم يكن واضعا بدليل عقلي لم يجب اتباعه فمن يطلق اللفظ لأن فلانا أطلقه لا يصح منه كما لا يصح أن يقول أضلني الأعمى ولو قاله لقيل له بل أنت أضللت نفسك حيث اتبعت من عرفت أنه لا يصلح للاقتداء به .

المسألة الرابعة : الأسماء لا تسمى ، وإنما يسمى بها فكيف قال : { سميتموها } ؟ نقول عنه جوابان : ( أحدهما ) لغوي وهو أن التسمية وضع الاسم فكأنه قال أسماء وضعتموها فاستعمل سميتموها استعمال وضعتموها ، ويقال سميته زيدا وسميته يزيد فسميتموها بمعنى سميتم بها ( وثانيهما ) معنوي وهو أنه لو قال أسماء سميتم بها لكان هناك غير الاسم شيء يتعلق به الباء في قوله { بها } لأن قول القائل سميت به يستدعي مفعولا آخر تقول سميت بزيد ابني أو عبدي أو غير ذلك فيكون قد جعل للأصنام اعتبارا وراء أسمائها ، وإذا قال : { إن هي إلا أسماء سميتموها } أي وضعتموها في أنفسها لا مسميات لها لم يكن ذلك فإن قيل هذا باطل بقوله تعالى : { وإني سميتها مريم } حيث لم يقل وإني سميتها بمريم ولم يكن ما ذكرت مقصودا وإلا لكانت مريم غير ملتفت إليها كما قلت في الأصنام ؟ نقول بينهما بون عظيم وذلك لأن هناك قال : { سميتها مريم } فذكر المفعولين فاعتبر حقيقة مريم بقوله { سميتها } واسمها بقوله { مريم } وأما هاهنا فقال : { إن هي إلا أسماء سميتموها } أي ما هناك إلا أسماء موضوعة فلم تعتبر الحقيقة هاهنا واعتبرت في مريم .

المسألة الخامسة : { ما أنزل الله بها من سلطان } على أي وجه استعملت الباء في قوله { بها من سلطان } ؟ نقول كما يستعمل القائل ارتحل فلان بأهله ومتاعه ، أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع كذا هاهنا .

قوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } . وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرئ { إن تتبعون } بالتاء على الخطاب ، وهو ظاهر مناسب لقوله تعالى : { أنتم وآباؤكم } على المغايبة وفيه وجهان : ( أحدهما ) أن يكون الخطاب معهم لكنه يكون التفاتا كأنه قطع الكلام معهم ، وقال لنبيه : إنهم لا يتبعون إلا الظن ، فلا تلتفت إلى قولهم ( ثانيهما ) أن يكون المراد غيرهم وفيه احتمالان ( أحدهما ) أن يكون المراد آباءهم وتقديره هو أنه لما قال : { سميتموها أنتم } كأنهم قالوا هذه ليست أسماء وضعناها نحن ، وإنما هي كسائر الأسماء تلقيناها ممن قبلنا من آبائنا فقال وسماها آباؤكم وما يتبعون إلا الظن ، فإن قيل كان ينبغي أن يكون بصيغة الماضي ، نقول وبصيغة المستقبل أيضا كأنه يفرض الزمان بعد زمان الكلام كما في قوله تعالى : { وكلبهم باسط ذراعيه } . ( ثانيهما ) أن يكون المراد عامة الكفار كأنه قال : إن يتبع الكافرون إلا الظن .

المسألة الثانية : ما معنى { الظن } وكيف ذمهم به وقد وجب علينا اتباعه في الفقه وقال صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى : «أنا عند ظن عبدي بي » ؟ نقول أما الظن فهو خلاف العلم وقد استعمل مجازا مكان العلم والعلم مكانه ، وأصل العلم الظهور ومنه العلم والعالم وقد بينا في تفسير العالمين أن حروف ع ل م في تقاليبها فيها معنى الظهور ، ومنها لمع الآل إذا ظهر وميض السراب ولمع الغزال إذا عدا وكذا النعام وفيه الظهور وكذلك علمت ، والظن إذا كان في مقابلة العلم ففيه الخفاء ومنه بئر ظنون لا يدري أفيها ماء أم لا ، ومنه الظنين المتهم لا يدري ما يظن ، نقول يجوز بناء الأمر على الظن الغالب عند العجز عن درك اليقين والاعتقاد ليس كذلك لأن اليقين لم يتعذر علينا وإلى هذا إشارة بقول { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } أي اتبعوا الظن ، وقد أمكنهم الأخذ باليقين وفي العمل يمتنع ذلك أيضا .

المسألة الثالثة : { ما } في قوله تعالى : { وما تهوى الأنفس } خبرية أو مصدرية ؟ نقول فيه وجهان : ( أحدهما ) مصدرية كأنه قال : ( إن يتبعون إلا الظن ) وهوى الأنفس ، فإن قيل ما الفائدة في العدول عن صريح المصدر إلى الفعل مع زيادة ما وفيه تطويل ؟ نقول فيه فائدة ، وإنها في أصل الوضع ثم نذكرها هنا فنقول إذا قال القائل أعجبني صنعك يعلم من الصيغة أن الإعجاب من مصدر قد تحقق وكذلك إذا قال أعجبني ما تصنع يعلم أن الإعجاب من مصدر هو فيه فلو قال أعجبني صنعك وله صنع أمس وصنع اليوم لا يعلم أن المعجب أي صنع هو إذا علمت هذا فنقول هاهنا قوله { وما تهوى الأنفس } يعلم منه أن المراد أنهم يتبعون ما تهوى أنفسهم في الحال والاستقبال إشارة إلى أنهم ليسوا بثابتين على ضلال واحد وما هوت أنفسهم في الماضي شيئا من أنواع العبادة فالتزموا به وداموا عليه بل كل يوم هم يستخرجون عبادة ، وإذا انكسرت أصنامهم اليوم أتوا بغيرها غدا ويغيرون وضع عبادتهم بمقتضى شهوتهم اليوم ثانيهما : أنها خبرية تقديره ، والذي تشتهيه أنفسهم والفرق بين المصدرية والخبرية أن المتبع على الأول الهوى وعلى الثاني مقتضى الهوى كما إذا قلت أعجبني مصنوعك .

المسألة الرابعة : كيف قال : { وما تهوى الأنفس } بلفظ الجمع مع أنهم لا يتبعون ما تهواه كل نفس فإن من النفوس ما لا تهوى ما تهواه غيرها ؟ نقول هو من باب مقابلة الجمع بالجمع معناه اتبع كل واحد منهم ما تهواه نفسه يقال خرج الناس بأهليهم أي كل واحد بأهله لا كل واحد بأهل الجمع .

المسألة الخامسة : بين لنا معنى الكلام جملة ، نقول قوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } أمران مذكوران يحتمل أن يكون ذكرهما لأمرين تقدير بين يتبعون الظن في الاعتقاد ويتبعون ما تهوى الأنفس في العمل والعبادة وكلاهما فاسد ، لأن الاعتقاد ينبغي أن يكون مبناه على اليقين ، وكيف يجوز اتباع الظن في الأمر العظيم ، وكلما كان الأمر أشرف وأخطر كان الاحتياط فيه أوجب وأحذر ، وأما العمل فالعبادة مخالفة الهوى فكيف تنبئ على متابعته ، ويحتمل أن يكون في أمر واحد على طريقة النزول درجة درجة فقال : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } أي وما دون الظن لأن القرونة تهوى ما لا يظن به خير وقوله تعالى : { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } إشارة إلى أنهم على حال لا يعتد به لأن اليقين مقدور عليه وتحقق بمجيء الرسل والهدى فيه وجوه ثلاثة : ( الأولى ) القرآن ( الثاني ) الرسل ( الثالث ) المعجزات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

والمسألة كلها وهم لا أساس له من العلم ولا من الواقع . ولا حجة فيها ولا دليل :

( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان . إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس . ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) !

هذه الأسماء . اللات . العزى . مناة . . وغيرها . وتسميتها آلهة وتسميتها ملائكة . وتسمية الملائكة إناثا . وتسمية الإناث بنات الله . . . كلها أسماء لا مدلول لها ، ولا حقيقة وراءها . ولم يجعل الله لكم حجة فيها . وكل ما لم يقرره الله فلا قوة فيه ولا سلطان له . لأنه لا حقيقة له . وللحقيقة ثقل . وللحقيقة قوة . وللحقيقة سلطان فأما الأباطيل فهي خفيفة لا وزن لها . ضعيفة لا قوة لها . مهينة لا سلطان فيها .

وفي منتصف الآية يتركهم وأوهامهم وأساطيرهم ، ويترك خطابهم ، ويلتفت عنهم كأنهم لا وجود لهم ، ويتحدث عنهم بصيغة الغائب : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) . . فلا حجة ولا علم ولا يقين . إنما هو الظن يقيمون عليه العقيدة ، والهوى يستمدون منه الدليل . والعقيدة لا مجال فيها للظن والهوى ؛ ولا بد فيها من اليقين القاطع والتجرد من الهوى والغرض . . وهم لم يتبعوا الظن والهوى ولهم عذر أو علة : ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) . . فانقطع العذر وبطل التعلل !

ومتى انتهى الأمر إلى شهوة النفس وهواها فلن يستقيم أمر ، ولن يجدي هدى ؛ لأن العلة هنا ليست خفاء الحق ، ولا ضعف الدليل . إنما هي الهوى الجامح الذي يريد ، ثم يبحث بعد ذلك عن مبرر لما يريد ! وهي شر حالة تصاب بها النفس فلا ينفعها الهدى ، ولا يقنعها الدليل !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

{ إن هي إلا أسماء } الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية ، أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء ، أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها ، والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين . { سميتموها } سميتم بها .

{ أنتم وآباؤكم } بهواكم . { ما أنزل الله بها من سلطان } برهان تتعلقون به . { إن يتبعون } وقرئ بالتاء . { إلا الظن } إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليدا وتوهما باطلا . { وما تهوى الأنفس } وما تشتهيه أنفسهم . { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } الرسول أو الكتاب فتركوه .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

قوله جلّ ذكره : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِن رَّبِهِمُ الهُدَى } .

أنتم ابتدعتُم هذه الأسماءَ من غير أنْ يكونَ اللَّهُ أَمَركم بهذا ، أو أذِن لكم به .

فأنتم تتبعون الظنَّ ، { وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } .

{ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهمُ الْهُدَى } : فأعرضوا عنه ، وكما أنَّ ظنَّ الكفار أوْجبَ لهم الجهلَ والحَيْرةَ والحُكْمَ بالخطأ - فكذلك في هذه الطريقة : مَنْ عَرَّجَ على أوصاف الظنِّ لا يَحْظَى بشيءٍ من الحقيقة ؛ فليس في هذا الحديث إلا القطعُ والتحقُّق ، فنهارُهم قد مَتَعَ ، وشمسُهم قد طلعت ، وعلومُهم أكثرها صارت ضرورية .

أمَّا الظنُّ الجميلُ بالله فليس من هذا الباب ، والتباسُ عاقبةَ الرجلِ عليه ليس أيضاً من هذه الجملة ذات الظن المعلول في الله ، وفي صفاته وأحكامه .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

19

المفردات :

إن هي إلا أسماء : ما اللات والعزى ومناة إلا أسماء لا حقيقة لها ، وليست آلهة .

ما أنزل الله بها من سلطان : لم ينزل الله تعالى وحيا يأذن في عبادتها .

إن يتبعون إلا الظن : ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إلا الظن والخرص والكذب .

وما تهوى الأنفس : وما تهواه أنفسهم ، وتميل إليه شهواتهم .

الهدى : هو هداية القرآن ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

التفسير :

23- { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } .

ما هذه الأوثان والأصنام إلا أسماء مجردة عن المعاني ، ليس فيها من الألوهية إلاَّ الاسم المجرد ، فهي لا تخلق ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تجيب ، ولكن آباءكم عبدوها فسرتم خلفهم بدون عقل أو فكر أو تأمل ، ولم ينزل وحي أو دليل من السماء يؤيد صحة عبادتكم لها ، وإنما أنتم تسيرون خلف الظنون والأوهام وهوى نفوسكم في عبادة هذه الجمادات الصمَّاء ، مع أن الهدى والرشاد قد جاء إليكم من الله تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

قال ابن الجوزي : وفيه تعجيب من حالهم إذا لم يتركوا عبادتها بعد وضوح البيان .

وقال ابن كثير : ليس لهم مستند إلاّ حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم وتعظيم آبائهم الأقدمين ، ولقد أرسل إليهم الرسول بالحق المنير والحجة القاطعة ، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءهم به رسولهم ولا انقادوا له .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

شرح الكلمات :

{ إن هي إلا أسماء سميتموها } : أي ما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى إلا أسماء لا حقيقة لها .

{ أنتم وآباؤكم } : أي سميتموها بها أنتم وآباؤكم .

{ ما أنزل الله بها من سلطان } : أي لم ينزل الله تعالى وحياً يأذن في عبادتها .

{ إن يتبعون إلا الظن } : أي ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إلا الظن والخرص والكذب .

{ وما تهوى الأنفس } : أي وما يتبعون الا ما تهواه نفوسهم وما تميل إليه شهواتهم .

المعنى :

إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم . إن أصنامكم أيها المشركون لا تعدو كونها أسماء لآلهة لا وجود لها ولا حقيقة في عالم الواقع إذ لا إله إلا الله ، أما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فلم تكن آلهة تحيى وتميت وتعطى وتمنع وتضر وتنفع . إن هي أي ما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان أي لم ينزل بها وحياً يأذن بعبادتها . وهنا التفت الجبار جل جلاله في الخطاب عنهم وقال { إنْ يتَّبعون إلاَّ الظن } أي إن هؤلاء المشركين ما يتبعون في عبادة هذه الأصنام إلاَّ الظن ، فلا يقين لهم في صحة عبادتها .

كما يتبعون في عبادتها { وما تهوى الأنفس } أي هوى أنفسهم { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } فبيَّن لهم الصراط السوي فأعرضوا عنه وهو لحق من ربهم .

الهداية

من الهداية :

- بيان أن المشركين في كل زمان ومكان ما يتبعون في عبادة غير الله إلا أهواءهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

وقوله : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } أي : من حجة وبرهان على صحة مذهبكم ، وكل أمر ما أنزل الله به من سلطان ، فهو باطل فاسد ، لا يتخذ دينا ، وهم -في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان ، يتيقنون به ما ذهبوا إليه ، وإنما دلهم على قولهم ، الظن الفاسد ، والجهل الكاسد ، وما تهواه أنفسهم من الشرك ، والبدع الموافقة لأهويتهم ، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن ، من فقد العلم والهدى ، ولهذا قال تعالى : { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } أي : الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة ، وجميع المطالب التي يحتاج إليها العباد ، فكلها قد بينها الله أكمل بيان وأوضحه ، وأدله على المقصود ، وأقام عليه من الأدلة والبراهين ، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه ، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان ، وإذا كان ما هم عليه ، غايته اتباع الظن ، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي ، فالبقاء على هذه الحال ، من أسفه السفه ، وأظلم الظلم ، ومع ذلك يتمنون الأماني ، ويغترون بأنفسهم .